في واحدة من كثير من اللحظات التي أشعر بها بشكلٍ أو آخر أني كويتية، قررت قراءة هذه الممنوعة الأدبية. و كويتيّتي (وهي شرف لا أستطيع ادّعاءه) تنتابني من في واحدة من كثير من اللحظات التي أشعر بها بشكلٍ أو آخر أني كويتية، قررت قراءة هذه الممنوعة الأدبية. و كويتيّتي (وهي شرف لا أستطيع ادّعاءه) تنتابني من حين لآخر لفرط اهتمامي بالشأن الكويتي. اهتمام لا أعرف كيف ابتدأ ، لكنّي أعزوه لإعجابي الشديد بالنخبة الثقافية الكويتية الشابة، التي لم تفتأ تصدر لنا أثمن الأعمال الأدبيّة. أو لأن الكويت بالنسبة لي مثل منجم ذهب، يدهشني ثراؤها كلما نبشت في تاريخها.
و بما أنه لا علاقة تربط مباشرة بين الكويت و لوليتا فقد وجب التوضيح: ابتدأت القصة كلها عند الأستاذة بثينة العيسى ،بعد تنديدها منذ مدة بقانون منع الكُتب الجائر، الذي عكّر الأجواء الثقافية هناك. و بعد متابعة شغوفة للأمر ، حدثتني نفسي أن أقرأ عملاً يتناول الحياة الثقافية في ظلّ وصاية الرقيب ، فاستقريت إلى رواية (أن تقرأ لوليتا في طهران). و نظراً لجهلي التام بمحتوى رواية لوليتا ، فقد كان لا بدّ من قراءتها أولاً. و هكذا و وفقا لقانون الرابط العجيب، فقد قادتني شرطة الأدب و الآداب الكويتية إلى جريمة لوليتا.
قرأت الرواية بترجمة دون المستوى لخالد الجبيلي صادرة عن دار الجمل. و لا أظنّها ترجمة مباشرة للنص الانكليزي، و إنما نقلت عن لغة أخرى. فقد امتلأت بتشبيهات رديئة الصياغة وعباراتٍ مفككة ، سطّحت النصّ السردي المليء في أصله بالصور و الاستعارات و ضيّعت كثيراً من أبعاده اللغوية . حتى أن كثرة الجمل الطفيلية المبتورة في النصّ ، جعلتني أظنّ أن الراوي يعاني من بعض الهلوسات كونه بالأصل مريضاً نفسياً. وهو أمر لم يتسنّ لي التأكد من صحته.
من الناحية الأخلاقية، أعتقد أنه لايوجد الكثير للتعقيب على هذا العمل، فهو يتحدث عن جريمة بشعة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى. أما من منظور أدبي، فلم أجد مانعاً من صياغة البيدوفيليا في عملٍ كهذا، و لا أرى أن مهمة الأدب هي الاقتصار على نقل الأخلاقي و الجيد فقط، و إلا لأصبح يوتيوبيا جافة غريبة عن الواقع و عن سراديب النفس البشرية. بل إن نقل هذه الحوادث على بغضها هو جزء لا يتجزأ من المهام الملقاة على عاتق الأديب.
نقطة القوة في الرواية تكمن في أسلوب السرد الذاتي، الذي يروي فيه همبرت القصة كمجرم و كضحية معاً. الشيء الذي جعله أسلوبا يقرف القارئ، يستفزه و يشدّه معاً. تحدث همبرت عن الطفلة لوليتا من بوصلة شهوته المنحرفة، فصوّرها فتاة لعوباً مغويةً، و ساحرة محنكة و ملاكاً شديد الفتنة، فتكت به في كثير من الأحيان بحركاتها وإيماءاتها فاضطر -كما يحلو له أن يعبر -مغلوباً على أمره أن يغتصبها، كي يتخلص من شهوته. لكنّ شهوته لم تنقضي و تضطره لاحقا إلى سلسلة من الاغتصابات و من ثم سجن الطفلة كرهينة جسدية و التنقل بها بين الفنادق درءاً للشبهات، حارماً إياها من أبسط متع الطفولة .
من أكثر الأمور إستفزازاً في هذا النصّ، كون تصرفات الطفلة الموصوفة بالبغاء لا تعدو أن تكون حركات بريئة لفتاة تأكل و تشرب ،و لا توحي لإنسان طبيعي حتى بعد وصفها بأسلوب شبقيّ بأكثر من ذلك. هذا التباين القائم بين شهوانية الوصف المريضة و براءة الموصوف المشتهى يوقع القارئ في تناقض شعوريّ ملغوم. و قد عاظم من لزاجة النص صيغة المغلوب على أمره، المعذب الشقي التي تحدث بها الراوي . إلا أن ذلك كله على تنفيره يصبّ لصالح الرواية كعمل فنيّ يحاكي متاهة نفس بشرية عليلة و يزيد من قيمتها الأدبية .
ذكرني الغضب الذي تدفنه هذه الرواية في الروح، كثيراً بمحاكمة الدكتور لاري نصار ، ذكرتني بانكسار عينيه ، بالذل الذي رسمه على وجهه كمحاولة تعيسة لجلب تعاطف لم و لن يحدث و بطوفان القرف الذي يجتاح الإنسان بعد سماع اعتذاره الواهن كمن يعتذر عن طبق خزفيّ رخيص كسره-ياللصدفة!- طفله المدلل.
أستطيع أن أقول عنها أنها رواية جيّدة حدّ الغثيان، و ربما بترجمة أخرى قد يتسنى لها أن تصبح رواية عظيمة.
انتهت لوليتا و مارست كويتيّتي المزيفة بأكثر الأساليب تمرّداً و حان أوان أن أعرف كيف ستقرأ لوليتا في طهران...more
إن صحت المقاربة بين ما يُسمع و ما يُقرأ ،فقد كانت قراءة هذه الرواية بالنسبة لي تجربة أشبه ما تكون بالاستماع للعزف على آلة Didgeridoo
أبقى طول الوقت باإن صحت المقاربة بين ما يُسمع و ما يُقرأ ،فقد كانت قراءة هذه الرواية بالنسبة لي تجربة أشبه ما تكون بالاستماع للعزف على آلة Didgeridoo
أبقى طول الوقت بانتظار اللحظة التي سيتغير فيها روتين النوتات، اللحظة الذورة التي ستغضب عندها الموسيقا أو تفرح أوتجنّ أو تندهش أو تكتئب ، لكنها لا تفعل. و تستمرّ المقطوعة عائمة في منطقة راحتها البعيدة عن استمتاعي، و تُؤثر الموسيقا التوازن النمطيّ على الخط الفاصل بين الانفعالات، متحاشية الخوض في أي مزاج موسيقي، محافظة على بدائيتها التعبيرية و هكذا إلى أن تنقطع.
كذلك الأمر في ثلاثية غرناطة، عشت ٥٠٠ صفحة و أنا أنتظر، أن تذهب الكاتبة بي إلى شخصياتها فأحسّ بها، أو أن تأتي هي طوعا إليّ فأتعرّف إليها، لكن شيئا ما لم يحدث. بقيت الشخصيات بعيدة مبهمة و آلية الأداء ، غير قابلة لكسب التعاطف أو الحب أو الكره حتى، و حافظت الرواية على حاجز جهل رتيب، غير مزعج بالضرورة لكنه بكل تأكيد غير محبب.
بتخمينٍ حسيّ عاطفي قابل للنقد ، أستطيع اتهام لغة الرواية بخلق هذا البرود، فمفردات العمل كانت منتقاة بعناية، لكن بناء الجمل ككلّ كان بالنسبة لي سرديا فاقدا للنكهة.
النجمتان فُقدتا حين فُقد الملح في الرواية أو السكر، أو كلاهما معاً!...more