جعفر المقتدر بالله
أمير المُؤمنين | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|
جعفر المقتدر بالله | |||||||
جعفر بن أحمد بن مُحمَّد طلحة بن جعفر بن مُحمَّد بن هارُون بن مُحمَّد بن عبد الله بن مُحمَّد بن عليُّ بن عبد الله بن العبَّاس | |||||||
رسمٌ لأمير المُؤمنين أبُو الفضل جعفر المُقتدر بالله
| |||||||
معلومات شخصية | |||||||
الميلاد | 22 رمضان 282هـ (13 نوفمبر 895م) بغداد، العراق، الخلافة العبَّاسيَّة |
||||||
الوفاة | 28 شوال 320هـ (1 نوفمبر 932م) (بالهجري:38 سنة وشهر واحد و6 أيَّام) (بالميلادي:36 سنة و11 شهر و18 يوم) بغداد، العراق، الخلافة العبَّاسيَّة |
||||||
سبب الوفاة | قتل في المعركة ⚔ | ||||||
الكنية | أبُو الفضل | ||||||
اللقب | المُقتدر بالله | ||||||
العرق | عربي | ||||||
الديانة | مُسلمٌ سُني | ||||||
الزوجة | زوجته: حُرَّة بنت بدر المُعتضدي |
||||||
الأولاد | مُحمَّد الرَّاضي بالله • إبراهيم المُتقي لله • الفضل المُطيع لله • إسحاق • (للمزيد) | ||||||
الأب | أحمد المُعتضد بالله | ||||||
الأم | السَّيدة شغب | ||||||
إخوة وأخوات | عليُّ المُكتفي بالله • مُحمَّد القاهر بالله • هارُون | ||||||
أقرباء | أحمد القادر بالله (حفيد) | ||||||
عائلة | بنو العباس | ||||||
منصب | |||||||
الخليفة العبَّاسي الثَّامن عشر | |||||||
الحياة العملية | |||||||
معلومات عامة | |||||||
الفترة | 13 ذو القعدة 295 - 20 شوَّال 320هـ (13 أغسطس 908 - 1 نوفمبر 932م) |
||||||
|
|||||||
السلالة | بنو العبَّاس | ||||||
المهنة | سياسي، وخليفة المسلمين | ||||||
اللغات | العربية | ||||||
الخدمة العسكرية | |||||||
المعارك والحروب | معركة بغداد (932) | ||||||
تعديل مصدري - تعديل |
أميرُ المُؤمنين وخليفةُ المُسلمين أبُو الفَضْل جَعْفَر المُقْتَدِر بالله بن أحمد المُعتضِد بن طلحة المُوفَّق بن جعفر المُتوكِّل بن مُحمَّد المُعتصم بن هارُون الرَّشيد بن مُحمَّد المهدي العبَّاسيُّ الهاشِميُّ القُرشي (22 رمضان 282 – 28 شوال 320هـ / 13 نوفمبر 895 – 1 نوفمبر 932م)، المعرُوف اختصارًا باسم المُقتدر أو المُقتدر بالله، هو الخليفة الثَّامن عشر من خُلفاء بني العبَّاس. والخليفة السَّابع والثلاثون بعد النبي مُحمَّد. تولَّى الخلافة في 13 ذو القعدة سنة 295هـ / 13 أغسطس 908م، بعد أن عهد إليه أخوه علي المُكتفي بالله على فراش المرض، وعمر المُقتدر ثلاث عشرة سنة، ليكون أصغر من تولى الخلافة في التاريخ.
وُلد الأمير جعفر في خلافة أبيه أحمد المُعتضد بالله (892 – 902 م)، وترعرع في خلافة أخيه عليٍّ المُكتفي بالله (902 – 908 م)، في وقت كانت الخلافة العبَّاسيَّة تشهد انتعاشًا واستقرارًا متزايدًا منذ خلافة أحمد المُعتمد على الله (870 – 892 م)، إلا أن مرض المُكتفي واقتراب أجله قد أوقع أصحاب النُّفوذ في حيرة، فدعتهم المصلحة وعلى رأسهم الوزير العبَّاس بن الحسن وبمشورة ابن الفُرات، لترشيح جعفر الذي كان يبلغ من العمر 13 عامًا إلى الخليفة المُكتفي، لتكون بداية اختلال الأمور وهبوط قُوَّة الدَّولة لصغر سنه وقلة معرفته. لم يرضَ قسمٌ كبير من الطبقة المُتنفذة هذه الخطوة، فثار عبد الله بن المعتز طلبًا للخلافة بعد أربعة شهور من خلافة المُقتدر، واستولى على بغداد ليومٍ واحد، إلا أن مؤنسًا وغِلمان المُعتضد استعادوا السَّيطرة وقبضوا على ابن المُعتز وأعدم.
انشغل المُقتدر بمجالس اللَّهو والطرب والجواري في أول خلافته بدعمٍ من والدته السَّيدة شغب، بهدف إدارة البلاد وتسيير الشؤون مع قهرماناتها والوزراء، ومع أنها شهدت فترة جيدة في أوائل حكمه إلا أن الأمور بدأت تزيد سوءًا، فقد حاول الصَّفَّاريون استغلال الأحداث والسيطرة على فارس، وثارت أذربيجان في وجه الخلافة بقيادة سُبُك غلام ابن أبي السَّاج، وتمرَّد الحُسين بن حمدان في الجزيرة. ولعلَّ أخطر الاضطرابات التي أثَّرت على الدولة واستنزفتها على المدى البعيد، هو ظهور القرامطة في بلاد البحرين، وهم من الشيعة الإسماعيليين، فهجموا على جنوب العراق، ونهبوا البصرة، ودمروا الكوفة، وقتلوا الحُجَّاج، ولعلَّ أخطر ما قاموا به هو هجومهم على مكَّة واقتلاع الحجر الأسود من مكانه إلى عاصمتهم هجر، حتى أعادوه بعد 22 عامًا. أثارت هذه الأحداث أنظار الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة حينها، فقد شد انتباهها الضَّعف الذي سرى في جسد الخلافة وصراعاتها الدَّاخلية، فأغاروا على ملطية مرارًا، واستولوا على أرض الرُّوم وأخرجوا المُسلمين من أرمينية.
ومن الأحداث التي أنذرت بتغيُّر موازين القوى، هو ظهور الدَّولة الفاطميَّة الشيعيَّة الإسماعيليَّة في بلاد إفريقية، والتي أعلن داعيها أبو عبد الله الشيعي بدء خلافة عُبيد الله المهدي العلوي، وعلى الرَّغم من الجدال الذي دار حول نسبه إلى العلويين، فقد تمكن الفاطميون أساسًا مُعتمدين على قبيلة كتامة البربريَّة، من الاستيلاء على كامل إفريقية وما جاورها، فأنهوا إمارة الأغالبة الذين خطبوا باسم الخليفة العبَّاسي بعد أن حكموا لنحو قرنٍ من الزمان، وقضوا على حكم بني رستم وبني مدرار خلال سنوات معدودة. وضع المهدي الفاطمي أراضي الخلافة العبَّاسيَّة نُصب عينيه، فشن ثلاث حملات مُتعاقبة في محاولة للسيطرة على برقة ومصر والتوغُّل في عمق البلاد.
وعلى الرَّغم من كل تلك الأحداث العصيبة المُتلاحقة، فإنها قد ساهمت في تحريك القيادة العبَّاسيَّة للتدخُّل، وبدأ المُقتدر مع والدته ووزرائه في محاولة إيقاف هذه الهجمات أو إخمادها، فعُيِّنَ مؤنس الخادم قائدًا للجيش وأجرت الدولة عددًا من الإصلاحات والسياسات، وموَّلت حملات عسكريَّة كثيرة على مرور السَّنوات، فتمكن العبَّاسيون من إيقاف هجمات القرامطة على جنوب العراق، وانهزم الصَّفَّاريون واستُعيدت فارس لحضن الخلافة، وتعرَّض الفاطميون للهزيمة السَّاحقة في حملاتهم الثلاثة نحو برقة ومصر بعد أن ظهرت براعة القائد مُؤنس وثبات جيشه، وضُبطت شؤون أذربيجان بإعادة تعيين ابن أبي السَّاج، ولاذ الحُسين بن حمدان إلى أرمينية، وشُنَّت حملات صيفيَّة سنويَّة على الرُّوم، وفي المقابل، زادت قُوَّة الجيش وزادت أرزاقهم، والتي كانت سببًا في استنزاف خزينة الدَّولة جنبًا إلى جنب مع أرزاق الخدم والحشم والفساد الوزاري مع مرور الوقت.
عين المُقتدر العديد من الوزراء خلال مدة حكمه، لتلمع أسماء منهم، مثل ابن الفُرات، وابن الجرَّاح، والذين عملوا على تحسين أمور البلاد خلال وزارتهم لعدد من المرات، إلا أنهم تعرَّضوا للقبض بتهم كثيرة وغالبًا ما كانت بتحريض من السَّيدة شغب وقهرماناتها المُتنفذات، بهدف تعيين وزراء بالرَّشاوي، مثل أبي علي الخاقاني وحامد بن العبَّاس، وغيرهم، إلا أن الدَّولة أُصيبت بعجز مالي كبير نتيجة سوء إدارتهم وفسادهم وما تكلَّفته الدولة من تمويل الحروب والمعارك المستمرة، ودفع أرزاق الجُند والخدم والحشم المُتزايدة، ما أدى لارتفاع الأسعار واضطراب الأوضاع بحلول السنوات الأخيرة من حكم المقتدر، ليصبح مصير هؤلاء الوزراء القبض عليهم كسابقيهم.
بدأ المُقتدر يصطدم مع قائده مُؤنس المُظفَّر بعد سنة 311هـ / 923 م لوجود العديد من الأسباب، فساءت العلاقة بينهما حتى تفجَّرت بعزل المُقتدر للمرة الثانية (بعد انقلاب ابن المُعتز) في سنة 317هـ / 929م، وعيَّن بدلًا منه القاهر بالله بن المُعتضد، إلا أن خلعه لم يدم سوى ليلتين، فعاد المُقتدر وعادت الأمور لنصابها بعض الشيء، إلا أن المُقتدر لم يستطع مُجاراة مُؤنس واستبداده في الحُكم، حتى قرر الأخير خلعه نهائيًا، فتوجَّه إلى الموصل، وحشد ما أمكن من الجيش، في حين كان المُقتدر يُعاني من أزمات ماليَّة شديدة لم يتمكن على إثرها من حشد جيش لمواجهته، لتدور معركة سريعة بين الطرفين في بغداد، انتهت بمقتل الخليفة المُقتدر بالله على يد جيش مُؤنس 28 شوَّال سنة 320هـ / 1 نوفمبر 932م.
تُعد خلافة المُقتدر بالله نهايةً للنَّهضة العبَّاسيَّة التي حدثت في زمن عمه المُعتمد (وجده الموفق بالله) وأبيه المُعتضد وأخيه المُكتفي، وذلك راجعٌ إلى صِغَر سنه، وتحكم والدته والقهرمانات ووجود وزراء لم يكونوا في المستوى المطلوب للأحداث الخطيرة التي سرت حول الدَّولة، إضافةً إلى أنها كانت علامة النهاية للدَّولة، والتي زاد ضعفها بعد وفاته، حتى جاءت الدَّولة البويهيَّة الشيعيَّة الفارسيَّة وسيطرت على بغداد في جُمادى الأولى سنة 334هـ / ديسمبر 945 م لتُحكم قبضتها على الخلافة ويصبح الخُلفاء العبَّاسيون مُجرَّدين من السُّلطة إلى ما يُقارب قرنًا من الزمان ما أدى إلى ظهور العديد من الإمارات والدُّول المُستقلَّة.
نشأته
[عدل]نسبه
[عدل]هو جعفر المُقتدر بالله بن أحمد المُعتضد بالله بن طلحة المُوفَّق بالله بن جعفر المُتوكِّل على الله بن مُحمَّد المُعتصم بالله بن هارُون الرَّشيد بن مُحمَّد المهدي بن عبد الله المنصُور بن مُحمَّد بن عليِّ بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المُطَّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالِب بن فهر بن مالك بن النَّضر بن كِنانة بن خُزَيمة بن مُدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
والده هو الخليفة العبَّاسي السَّادس عشر، أحمد المُعتضد بالله، تولى حكم الخلافة العبَّاسية من سنة 279 حتى 289هـ / 892 حتى 902م، واشتهر بالشَّجاعة والمهابة، فقد كانت الدَّولة في عهده على أحسن الأحوال، فترك سامرَّاء وأعاد حاضرة الخلافة إلى بغداد، وشن مُختلف الحملات العسكريَّة، ما جعله يستعيد ولايات وأقاليم خرجت عن سيطرة بني العبَّاس في فترة سامرَّاء، حتى لُقب بالسَّفَّاح الثَّاني.[1]
والدته هي شغب، رُوميَّة الأصل، وصلت إلى بغداد عن طريق تُجَّار الرَّقيق، لتستقر بحوزة إحدى سيدات بغداد البارزات، حتى بيعت للخليفة المُعتضد بمبلغ 400 ألف درهم. كانت تُدعى ناعم، إلا أنه بعد ولادتها لجعفر (المُقتدر بالله مستقبلًا) تغير اسمها إلى شغب، وذلك لأن جعفرًا كان مُشاغبًا وكثير الصخب في صغره. كانت شغب جميلة الوجه وحسنة الأوصاف، وأصبحت مَحظية للمُعتضد بعد أن تُوُفِّيَت الجارية دريرة، إلا أنها لم يكن لها دور يُذكر في عهد المُعتضد، لكونه ذا شخصيَّة قوية وسُلطانٍ حقيقي، فلم يكن ليسمح لأي شخص بالتدخُّل في أمور الخلافة، بالإضافة إلى أنه في مسائل النساء، كان مشغوفًا بحب الجارية دريرة.[2][3] عُرفت شغب بلقب السَّيدة في خلافة المُقتدر، تفخيمًا وتعظيمًا لقدرها.[4][5]
طفولته
[عدل]ولد جعفر بن أحمد المُعتضد في ليلة الجمعة، 22 رمضان سنة 282هـ / 13 نوفمبر 895م،[6][7] وقيل في 8 رمضان.[8][9] وقيل: إن اسمه إسحاق، إلا أنه اشتهر بجعفر لشبهه بجده الكبير جعفر المُتوكِّل على الله.[10] كان مولده في خلافة أبيه أحمد المُعتضد، والتي شهدت البلاد في خلافته انتعاشًا مُتزايدًا واستقرارًا عاليًا ورثها من والده الأمير وليِّ العهد المُوفَّق بالله، والذي كان الآمر النَّاهي في عهد أخيه الخليفة أحمد المُعتمد، بعد أن تمزّقت البلاد وضاعت سُلطة الخُلفاء على إثر مقتل المُتوكل.[8][11] وعلى الرَّغم من صغر سن جعفر، فقد أرسله والده مع القائد بدر المُعتضدي في إحدى المعارك بهدف تهيئته مُستقبلًا.[12]
تروي بعض الروايات التي ميَّزت طفولة جعفر، أنه لم يكن مُحببًا إلى أبيه، حتى إنه هم بقتله، وذلك حينما رآه جالسًا وسط عشرة صبيان من أقرانه في السن (كان عمره نحو خمسة أعوام)، وبين يديه طبق فيه عنقود من العنب في غير موسمه، فكان يأكل عنبة ثم يُطعم أقرانه من حوله على الدور حتى انتهى إليه وتناول فني العنقود، وحينما سأل صافي الحرمي الخليفة المُعتضد عن سبب غضبه الشديد، فقال: «والله يا صافي، لولا النار والعار لقتلت هذا الصبيَّ اليوم، فإن في قتله صلحًا للأمة»، فاستغرب صافي عن غضبه واستعاذه بالله، فأجاب المُعتضد قائلًا: «ويحك أنا أبصر بما أقول، أنا رجل قد سست الأمور وأصلحت الدنيا بعد فساد شديد، ولا بد من موتي، واعلم أن الناس بعدي لا يختارون غير ولدي وسيجلسون ابني عليًا وما أظن عمره يطول للعلة التي به .. فيتلف عن قريب ولا يرى الناس إخراجها عن ولدي ولا يجدون بعده أكبر من جعفر فيجلسونه وهو صبي، وله من الطبع في السخاء هذا الذي قد رأيت من أنه يطعم الصبيان مثل ما أكل، وساوى بينه وبينهم في شيء عزيز في العالم، والشح على مثله في طباع الصبيان، فتحتوي عليه النساء لقرب عهده بهن، فيقسم ما جمعته من الأموال كما قسَّم العنب، ويبذر ارتفاع الدنيا ويخرجها وتضيع الثُّغور وتنتشر الأمور، وتخرج الخوارج، وتحدث الأسباب التي يكون فيها زوال الملك عن بني العبَّاس أصلًا!»، ومكث المُعتضد من يومه مهمومًا.[13][14] عاش جعفر لفترة قصيرة في كنف والده حتى تُوفي في 22 ربيع الأوَّل سنة 289هـ / 5 أبريل 902م، وجعفر في السَّابعة من عمره.[12]
تعليمه
[عدل]لم يتوفر لجعفر الوقت الكافي للتعلُّم على يدي أبيه المُعتضد، ومع أنه التحق بالمكتب (مركز تعليم للمرحلة الأوليَّة لأولاد الخُلفاء)، إلا أن «غاية همه أن يُصرف من المكتب»، حسب تعبير الوزير ابن الفُرات، ومع ذلك، فقد منعت عنه والدته السَّيدة شغب قراءة الكُتُب العلميَّة والتثقيفيَّة لإبقائه تحت هيمنتها وتكون سياسة الدولة بيديها.[15] وبسبب ذلك، ترد بعض الإشارات من العاملين في قصر الخلافة إلى أن جعفرًا كانت ثقافته محدودة، حتى نُقل عن نصر الحاجب قوله: «بأنه لا قرأ السير، ولا عرف الأخبار»، إلا أن جعفرًا اشتهر بحسن الأدب والخُلُق والذكاء منذ صغره.[16]
قبل وصوله للخلافة
[عدل]خلفية الأحداث
[عدل]وصلت الخِلافة العبَّاسيَّة إلى عصرها الذَّهبي في عهد هارُون الرَّشيد وابنه المأمُون، ومع أن التقدُّم في أمور الطِّب والعِلم والازدهار الثقافي قد استمر، إلا أن الاستقرار الأمني والسِّياسي في البلاد اختلف مع مرور الوقت، فقد استكثر المُعتصم بالله من الأتراك في جيشه، وأسقط أسماء العرب والفُرس من ديوان الجُند، وبعد تولي ابنه الواثق بالله للخلافة، زاد نفوذهم وأصبحوا في مرتبةٍ عالية. وبعد وفاة الأخير، بايع الوُزراء والفُقهاء وكبار القادة الأتراك المُتوكل على الله، حاول الأخير كبح جماحهم وتمكن من قتل أحد قُوَّادهم، إلا أنهم تمكنوا من التآمر عليه والتحالف مع ابنه المُنتصر بالله، فقتلوا المُتوكل في سنة 256هـ / 861 م لتقع البلاد في سلسلة من الاضطرابات والضعف عرفت بمُسمى فوضى سامرَّاء، والتي أدت لخلع ومقتل أربعة من الخُلفاء، كان آخرهم المُهتدي بالله في سنة 256هـ / 870م، والذي حاول تقويض نفوذ الجند الأتراك وبث الخلافات بينهم.[17]
تولَّى المُعتمد على الله الخلافة بعد المُهتدي، إلا أنه لم يكُن له من الخلافة إلا اسمها، فقد كان أخوه أبُو أحمد طلحة بن المُتوكِّل والمعرُوف باسم المُوفَّق بالله (جد المُقتدر)، قائدًا للجيش والأقاليم العبَّاسيَّة، ففرض السُّلطة، وتمكن من احتواء الأتراك الذين أثاروا الاضطراب طوال عشرة أعوام، وأنهى ثورة الزَّنج الخطيرة بعد 14 عامًا على انتفاضتها الدمويَّة، وأوقف تمدُّد الصَّفَّاريون نحو العاصمة بغداد حين كبَّدهم هزيمة كبيرة في معركة دير العاقول 262هـ / 876م، فانتعشت أحوال الخلافة، واستأنفت نهضتها في عهد المُعتمد بفضل أخيه المُوفَّق بالله وجهود الخلفاء السَّابقين الذين ذهبوا ضحيَّة الفوضى.[18][19] وعلى الرَّغم من أن المُوفَّق بالله لم يتولَّ الخلافة، إلا أن ابنه أحمد المعتضد بالله تولَّى الخلافة بعد عمِّه المُعتمد في سنة 279هـ / 902م، فاستمرَّت البلاد في تحقيق الاستقرار ونشر الأمان في عهده حتى توفي في 289هـ / 902م بعد أن أوصى لابنه علي المُكتفي بالله.[20]
كان عهد المكتفي بالله أكثر مرونة ولينًا من والده، فقد كان محبوبًا لسماحته ورفقه، فهدم سجون المُعتضد واستبدلها بالمساجد، وابتلي بعدد كبير من الأعداء الذين واجههم بكل عزيمة،[21] لتظهر المُنافسات بين أصحاب النُّفوذ في الدولة، وتزداد المكايد في دار الخلافة.[22] ومنها ظهور القرامطة الإسماعيليين، فأفسدوا في الشَّام، ما جعل المُكتفي يسير على رأس جيشٍ حتى نزل الرَّقَّة، ومن ثَمَّ وجه مُحمَّد بن سليمان الكاتب إلى حماة، فهُزم القرامطة بقيادة أبي الشَّامة في معركة حماة سنة 291هـ / 903م.[23] سيَّر المُكتفي بعد سنة من هذا الحدث، مُحمَّد بن سُليمان الكاتب على رأس جيشٍ كبير ليتمكن من إعادة ضم بلاد الشَّام، ومصر وإنهاء حكم الطُّولونيين بحلول شهر صفر 292هـ / ديسمبر 904م، لتعود مصر والشَّام جزءًا من الخلافة العبَّاسيَّة.[24][25]
ترشيحه للخلافة ووفاة المُكتفي
[عدل]حينما ظهر المرض على الخليفة المُكتفي بالله، وثقل عليه ذلك، بدأ الوزير العبَّاس بن الحسن يُفكر بمن يصلح للخلافة من بني العبَّاس، وذلك لصغر جميع أبناء المُكتفي، فرأى أن يستشير كُتاب الدواوين، ومنهم مُحمَّد بن داوُد بن الجرَّاح، وعليُّ بن عيسى بن الجرَّاح (وهُما أبناء عُموم)، وعليِّ بن مُحمَّد بن الفُرات والمعرُوف أكثر باسم ابن الفُرات، وطلب منهم أن يعرضوا عليه من هم أهل للخلافة، فاقترح ابن داوُد اسم عبد الله بن المعتز بالله، واشتهر برجاحة العقل والأدب والرَّأي، ووافقه في ذلك ابن عمه، واستحسن الوزير ابن الحسن هذا الرأي،[26] إلا أن ابن الفُرات، وهو رجل حاذق وفطن، كان لهُ رأيٌ آخر، فنصحه بتعيين شخص لا يكون بخيلًا فيضيق على الناس أرزاقهم، أو طماعًا فيُصادر أموالهم وأملاكهم، ولا قليل الدين فلا يخاف العقوبة والآثام، ولا يولي من يهتم للناس ويراعي أحوالهم خوف فقدان هيبته، فقال الوزير: «صدقت ونصحت، فبمن تشير؟» فأجاب ابن الفُرات بتسمية جعفر بن المُعتضد، إلا أن الوزير العبَّاس تغيرت ملامحه وأجاب بحدة قائلًا: «ويحك! هو صبي!»، فأكملها ابن الفُرات عنه قائلًا: «إلا أنه ابن المُعتضد، ولم نأت برجُل كامل يُباشر الأمور بنفسه، غير مُحتاج إلينا»، ولما كانت حجة أبناء الجرَّاح ضعيفة، مال الوزير إلى كلام ابن الفُرات، فأشار على المُكتفي بأخيه جعفر،[9][27] بعد التأكيد له بأن جعفرًا قد بلغ الحُلم ومبلغ الرجال.[8][28][29][30] وقيل بأنه لم يبلُغ.[3][31] في حين، ألف أبو بكر الصولي كتابًا حول جواز خلافته وهو لم يبلغ، ومنها أن الله بعث يحيى بن زكريا نبيًا وهو غير بالغ لقوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ١٢﴾ [مريم:12] ولا يُقال في من بلغ صبي.[10] تُوفي الخليفة المُكتفي بالله في 13 ذو القعدة 295هـ / 13 أغسطس 908م، وذلك عن عمرٍ ناهز الواحد والثلاثين عامًا بعد أن حكم قرابة ست سنوات وستة أشهر.[32][33]
خلافته
[عدل]بيعته للخلافة ومحاولات خلعه
[عدل]بعد أن اتَّفق المسؤولون المُتنفذون بقيادة الوزير العبَّاس بن الحسن على اختيار الأمير الفتى جعفر خلفًا لأخيه علي المُكتفي بالله، بُويع جعفر بن أحمد المُعتضد بالله خليفةً وأميرًا للمُؤمنين في 13 ذي القعدة سنة 295هـ / 13 أغسطس 908م، ولُقِّب المُقتدر بالله وعمره آنذاك ثلاث عشرة سنة وشهرٌ واحدٌ وواحد وعشرون يومًا، ليكون أصغر من تولَّى الخلافة في التَّاريخ.[28][34] وبخلاف رغبة المسؤولين الإداريين، فقد كان الجيش نفسه يميل لاختيار المُقتدر، فقد حرص المُعتضد والمُكتفي في خلافتهما على أن يكون قائد الجيش تحت السَّيطرة الكاملة لهما، وكانت ذرية المُعتضد من أكثر العوائل تأثيرًا ونفوذًا داخل الأسرة العبَّاسيَّة بحلول ذلك الوقت، فاستمدَّت العائلة المُعتضديَّة قُوتها من الغِلمان الداريَّة الذين وصل عددهم نحو عشرين ألفًا في عهد المُكتفي، وكانوا حريصين كُل الحرص على مُلازمة دار الخلافة وحماية الخليفة، بالإضافة إلى المماليك الحجريَّة والرجالة المصافيَّة.[35][36] استهلَّ المُقتدر حُكمه بإطلاق يد الوزير العبَّاس بن الحسن على بيت المال لتوزيع حق البيعة حسب عادة الخُلفاء الجارية، وبها مبلغٌ كبيرٌ يُقدر بخمسة عشر مليون دينار، صرف منها ثلاثة ملايين دينار في حق البيعة إلى عوام الناس والجند.[37]
لم يستحسن الوزير خلافة المُقتدر بهذا السن، فقد اضطَّر لقبول رأي أصحاب النُّفوذ، فبدأ يستصغر من شأنه وعُمره، وكثر جدال النَّاس على اختياره دون غيره من بني العبَّاس، فقرر الوزير ترتيب خلع بيعة المُقتدر لصالح أبي عبد الله مُحمَّد بن أحمد المُعتمد على الله، وهو رجلٌ عاقلٌ حسن المذهب، فانتظر والي خُراسان ليستقوي به على نُفوذ غلمان المُعتضد في مسألة ترشيح ابن المُعتمد للخلافة، إلا أن ابن المُعتمد فُلج في أحد المجالس نتيجة نقاشات حادَّة مع ابن عمْرُويه حول ضيعة مشتركة بينهما، فأغلظ ابن عمرويه في القول، فغضب ابن المُعتمد غضبًا شديدًا وكظمه وأدت لوفاته.[9] شعر الوزير العبَّاس بالمسؤولية أكثر وبضرورة تصحيح المسار، وعزم على بيعة أبي الحسين، وهو من ذرية جعفر المُتوكل على الله، إلا أنه تُوفي بعد خمسة أيام دون ذكر الأسباب، لتتم بيعة الخليفة المُقتدر بسلاسة في أسابيعه الأولى.[9][38]
خلع المُقتدر الأوَّل وبيعة ابن المُعتز للخلافة
[عدل]ظهور أنصار ابن المُعتز
[عدل]لم يكن أنصار عبد الله بن المعتز بالله صامتين إزاء هذه التطوُّرات الخطيرة التي نجمت عن اختيار فتى حدث السن لقيادة الأمة، في حين أن الحكم الحقيقي سيكون بيد الوزير والمُتنفذين، فبدأت تعلو أصواتهم، وأدرك الوزير العبَّاس بن الحسن لحجم نفوذ عبد الله بن المُعتز، فقد قال عنه سابقًا: «وهو (أي عبد الله بن المُعتز) يعتقد أن الأمر (أي الخلافة) كان له ولأبيه وجده، وأنه مظلوم منذ قتل أبوه، مهضومٌ مقصودٌ مضغوط».[39] وبعد مضي أربعة شهور على خلافة المُقتدر، اجتمع الوزير العبَّاس ومعه جُل القضاة والكُتَّاب على خلع المُقتدر والبيعة لابن المُعتز، فأرسلوا إليه مُوضحين هدفهم بتسليم السُّلطة إليه، وبالفعل، فقد أجابهم ابن المُعتز لطلبهم، وشرط عليهم أن تكون بيعته سلميَّة، وأن لا يحصل فيها إراقة دماء أو نشوب نزاع، فأكدوا إليه أنه ليس له مُنازع حتى يُحاربه أحد.[39][40][41][42]
الانقلاب على المُقتدر وبيعة ابن المُعتز
[عدل]في يوم السَّبت المُوافق لـ 19 ربيع الثَّاني سنة 296هـ / 16 يناير 909م، تحرَّك الحسين بن حمدان ومعه بعض القادة الأتراك مثل بدر الأعجمي ووصيف بن صوارتكين وسيطروا على قصر الخلافة في انقلابٍ سريع، وبُويع ابن المُعتز خليفةً للمُسلمين، ولُقِّب المُرتضي بالله.[43] وقيل: بل لُقِّب المُنتصف بالله.[42] تردد الوزير العبَّاس بن الحسن في تنفيذ الانقلاب لكونه مُسيطرًا على الأمور في حضرة المُقتدر، ورفض فيما يبدو بيعة ابن المُعتز، ليقتُله في اليوم التالي الحُسين بن حمدان قائد ثورة ابن المعتز ويقتلَ فاتكًا المُعتضدي.[44] تخلَّف عن بيعة ابن المعتز عددٌ من خواص المُقتدر، وتحديدًا ممن يَدينون بالولاء للمُعتضد، مثل ابن الفُرات الذي كان السبب في إيصال المُقتدر للخلافة، ومُؤنس الخادم، ومُؤنس الخازن. حين سمع المُقتدر بتولي ابن المُعتز للخلافة، أراد أن يترك بغداد ويُسلم الأمور إليه، إلا أن قُوات القصر من الغِلمان الدُريَّة والحجريَّة والمصافيَّة، ووالدته أشاروا عليه بالقتال ورفعوا من همته لاسترداد عرش الخلافة.[40][45][46]
لم يدم انقلاب ابن المُعتز إلا يومًا واحدًا فقط، فقد تحرك قُوات القصر بدافع ولائهم لأبناء المُعتضد، وحرصهم على امتيازاتهم، لاستعادة السيطرة على الأوضاع، فخرج المُقتدر بسلاحه ووزع عليهم الأسلحة وصعدوا الدار التي سكنها ابن المُعتز، فلما رأى الأخير ذلك، هاله كثرتهم واضْطَرَبت قُواته وتفرَّقوا عنه، ومما زاد عليه فشل أمره، أن الحُسين بن حمدان قد لاذ بالهروب نحو الموصل. تمكن ابن المُعتز من الفرار وخرج نحو الصَّحراء، مُعتقدًا أنه سيلحقه من بايعه، إلا أن ذلك لم يحصل، فقد استتر أكثر من بايعه، ووقعت الاضطرابات والفوضى والنهب في بغداد في ذلك اليوم العصيب.[40][41][47][48]
عودة المُقتدر للخلافة وضبط الأوضاع
[عدل]أعاد المُقتدر ضبط الأوضاع بنفسه وباستشارة المُقربين منه بعد هروب ابن المُعتز، فسلَّم إدارة الشُّرطة لمُؤنس الخازن لولائه يوم الانقلاب، وقبض على وصيف بن صوارتكين وغيره وأعدمهم لخيانتهم، وقبض على عدد من القُضاة الذين بايعوا ابن المُعتز، إلا أنه عفا عنهم وأطلق سراحهم بعد أن جددوا بيعته، باستثناء القاضي أبي المُثنى أحمد بن يعقوب، لأنه حين أشار عليه الجُند بمُبايعة المُقتدر، رفض وقال: «لا أبايع صبيًا»، فأعدم. ويُعلق العالم والمُؤرخ ابن الأثير الجزري على غرابة هذا الانقلاب قائلًا: «وكان في هذه الحادثة عجائب منها: أن الناس كلهم أجمعوا على خلع المُقتدر والبيعة لابن المُعتز، فلم يتم ذلك، بل كان على العكس من إرادتهم، وكان أمر الله مفعولًا».[49]
وفي سبيل ملء منصب الوزارة بعد مقتل العبَّاس بن الحسن، أرسل المُقتدر إلى ابن الفُرات يطلب مجيئه، فقد اختفى أثناء المعركة الدمويَّة في بغداد ولم يدعم حركة ابن المُعتز، فحفظ له المُقتدر ذلك وقلَّدهُ الوزارة وخلع عليه، وتمكن ابن الفُرات من تحسين شؤون البلاد، وأخرج الأعطيات حتى فرَّق مُعظم ما كان في بُيوت الأموال نتيجةً لبيعة المُقتدر الثانية. وفي التدابير الأخيرة لنهاية ابن المُعتز، والذي قبضت الشُّرطة عليه في النهاية، فعُذب حتى قُتل في الثاني من ربيع الآخر سنة 296هـ / 29 ديسمبر 909م، وسُلم إلى أهله، وأُعدم مُحمَّد بن داوُد بن الجرَّاح.[42][49][50] إلا أنه من جانبٍ آخر، عفا المُقتدر عن الحُسين بن حمدان بعد أن شفَّع فيه الوزير ابن الفُرات، وشمل عفوه إبراهيم بن كَيْغَلَغ، وابن عمرَويه صاحب الشُّرطة سابقًا،[49] ويُعلق المُؤرخ ابن كثير الدمشقي. قائلًا: «وصفح المقتدر عن بقية من سعى في هذه الفتنة حتى لا تفسد نيات الناس».[42] ينتقد المُؤرخ المصري مُحمَّد الخضري بك عودة المُقتدر للخلافة بعد انتصاره على ابن المُعتز قائلًا: «وانتهت بذلك هذه الفتنة التي بها ابتدأ ضعف الخِلافة وسقوط هيبتها، واشتد الانتكاس في عهد المُقتدر حتى لم يعُد للخلافة أدنى سُلطان ولا احترام، فإن المُقتدر حين ولي كان شابًا غرًا لا يعرف من السياسة ولا من الشجاعة شيئًا».[50] وعلى الرَّغم من القبض على كل من ساهم في بيعة ابن المعتز أو دعمه، فإن المُقتدر اعترف لاحقًا بأنه لم يرغب بقتل أحد في فتنة ابن المُعتز، إلا أنه غُلب على رأيه.[51]
ثورات أكراد الجزيرة
[عدل]ثار الأكراد لأسبابٍ عديدة في نواحي الموصل منذ أيَّام إمارة بني حمدان في خلافة علي المُكتفي بالله، وذلك جنبًا إلى جنب مع ثورات عربيَّة وخوارجيَّة قريبة تظهر من حينٍ لآخر في ديار ربيعة تلك الفترة.[52] وترجع بعض الثَّورات، إلى غارَات قام بها أكراد الهذابانيَّة بقيادة مُحمَّد بن بلال على نينوى، فغنموا الكثير من أهاليها في سنة 293هـ / 906م، فسار أبُو الهيجاء عبد الله بن حمدان التغلبيُّ إليهم، إلا أنه وبعد معارك عديدة طلب ابن بلال الأمان، فأمَّنه ابن حمدان، واستقرت شؤون الموصل لفترة بسيطة.[53]
بع�� تولي المُقتدر للخلافة، ثار الأكراد في نفس السنة من نواحي الموصل، فأُرسل إليهم الحسن بن أحمد والذي ظفر بهم ونهب أموالهم، إلا أن زعيم الأكراد قد لاذ إلى رُؤوس الجبال، ولم يتمكن أحد من اللَّحاق به لوعورة المنطقة، فهدأت الأحوال.[9] وبعد سنوات، ثار أكراد المارانيَّة في الموصل، فأرسل المُقتدر إليهم مُحمَّد بن نصر الحاجب في جُمادى الأولى سنة 309هـ / أكتوبر 921م، فقتل وأسر وأرسل إلى بغداد قرابة ثمانين أسيرًا من زُعماء المارانيَّة.[54]
استيلاء الصَّفَّاريون على فارس
[عدل]لم تكُن العلاقة جيدة بين الخلافة العبَّاسيَّة ودولة الصَّفَّاريون أو بنو الصَّفَّار في بلاد سجستان، فقد خلعوا سابقًا طاعة بني العبَّاس، وكانوا يحكمون أجزاءً واسعة من خُراسان وما جاورها في بداية عهدهم باستقلاليَّة، إلا أنهم تعرَّضوا لهزائم عديدة، ومنها هزيمة ثقيلة على يد جد المُقتدر والمُلقَّب بالمُوفَّق بالله في معركة دير العاقول سنة 262هـ / 875م، فأوقف زحفهم نحو العراق وكانت بداية تضعضع أحوالهم فضلًا مع صراعهم مع السَّامانيين.[55]
في خلافة المُقتدر، أراد اللَّيث بن عليُّ الصَّفَّار استغلال الصراعات الداخليَّة التي تمر بها الخلافة، فشنَّ هجومًا نحو فارس واستولى عليها في سنة 297هـ / 910م، وحينما بلغ ذلك المُقتدر، جهَّز جيشًا بقيادة أهم قادته مُؤنس الخادم وسيَّره إلى فارس معونةً لواليها سُبكرى.[56] قرر اللَّيث مُباغتة العباسيين واستعد للتوجه نحوهم في أرَّجان، إلا أن أنباء مسير الحُسين بن حمدان التَّغلِبي لمُساندة جيش مُؤنس جعلته في مأزق، فسيَّر أخاه على رأس بعض جيشه نحو شيراز ليُحافظ عليها، وسار اللَّيث على رأس جنده مع رجُل دليلٍ ليدلَّهُ على الطريق، إلا أن ذلك قد أتعب جيشه، فهلك مُعظم دواب الجيش، ولقي اللَّيث مشقَّة عظيمة مع جنده، فأمر بقتل الدَّليل، وعدل عن الطريق المقصود، حتى وجد مُعسكرًا للجيش، فظنَّه وأصحابه أنه عسكر أخيه إلى شيراز، فكبَّروا سُعداء، إلا أن المُعسكر كان في الحقيقة عبَّاسيًا وبقيادة مُؤنس وسُبكرى وجندهم، فثاروا على جند الصَّفَّار، واقتتل الطرفان اقتتالًا شديدًا حتى انهزم اللَّيث وأصحابه وأُخذ أسيرًا.[57]
حيلة مُؤنس واستعادة فارس
[عدل]ومع تحقيق الانتصار العبَّاسي على اللَّيث الصَّفَّاري، لم يكُن مُؤنسٌ معجبًا بسُبكرى لسببٍ ما، فاحتال على سُبكرى وأقنعه بالخروج إلى شيراز. علم الخليفة المُقتدر ووزيره ابن الفُرات بذلك، فكتب الأخير إلى مُؤنس يأمره بضرورة القبض على سُبكرى لخروجه دون حجة، وأن يحمله مع اللَّيث إلى بغداد. طلب سُبكرى من مُؤنس خلال رسالته، أن يتوسَّط لحاله مع الخليفة، ووعده بإرسال الأموال إليه، فلم يكترث له، أدرك ابن الفُرات أن هنالك حيلة يقوم بها مُؤنس، ولم يكونا على وفاقٍ جيد، فقرر إرسال القائد مُحمَّد بن جعفر الفريابي على رأس جيشٍ وأمرهم بفتح فارس وإعادتها لدولة الخلافة، وكتب إلى مُؤنس أن يعود باللَّيث وحده وأن ينسى مسألة سُبكرى، ليعود إلى بغداد. تمكَّن الفريابي من هزيمة سُبكرى على أبواب شيراز واستولى عليها، إلا أن سُبكرى تمكن من الهروب منها، فطارده الفريابي حتى مدينة بم التي لاذ إليها، فحاصره حتى خرج إليه سُبكرى من جديد وانهزم أخيرًا، وفتح كامل فارس في سنة 298هـ / أواخر سنة 910م. ومن أسباب استعادة فارس هو أهميتها الاقتصاديَّة في المقام الأول، لأنها كانت لا تحمل من مالها إلى الخليفة، إلا المال اليسير والقليل مُقارنة بحجم تجارتها وأهمية مُدُنها، فأشار ابن الفُرات للمُقتدي بضرورة استعادتها بالقُوَّة. كلَّف تمويل الحملة مبلغًا كبيرًا نحو أربعة ملايين دينار.[57][58]
تمرُّد الحُسين بن حمدان التَّغلِبي
[عدل]عفا الخليفة المُقتدر على الحُسين بن حمدان التَّغلِبي بعد مُناصرته لحركة عبد الله بن المعتز في مُحاولة فاشلة لإيصال الأخير إلى عرش الخلافة في 20 ربيع الثَّاني سنة 296هـ / 17 يناير 909م،[49] وحاول الخليفة أن يُحسن إليه من خلال توليته على الجزيرة التي ينتمي إليها، إلا أن ابن حمدان خلع الطَّاعة في سنة 303هـ / 915م. كان الدافع وراء ابن حمدان لخلع الطَّاعة، هو امتناعه عن إجابة طلبات الوزير ابن الجرَّاح لدفع ما عليه من التزامات ماليَّة من ديار ربيعة، فجهَّز الوزير، رائقًا الكبير على رأس جيش من أربعة آلاف فارس مُتجهًا لمُقاتلة ابن حمدان، وذلك بسبب انشغال مؤنس الخادم بتأمين مصر من محاولة للفاطميين للسيطرة عليها.[59]
جمع ابن حمدان نحو عشرين ألف فارس، وسار لمقاتلهم، فأرهب قوات رائق، وحاولوا النزول بموضع ضيق كنوع من أساليب الحرب، إلا أنه حاصرهم لفترة أسابيع، حتى علم رائق وجنده أن مُؤنسًا عاد من مصر، فقويت نفوسهم، وضعفت عزائم ابن حمدان وجيشه، بسبب سُمعة مُؤنس القويَّة في عالم المعارك وانتصاراته المُتكررة على أعدائه. تسلَّلت قوات رائق إلى قوات ابن حمدان ليلًا، فكبَسوهم وعملوا فيهم السيف، فانهزم ابن حمدان وعاد مُنسحبًا إلى ديار ربيعة، فلاحقه الجند حتى استولوا على الموصل. وحينما علم مُؤنس بما جرى معه، قرر الخروج إليه فنزل في الموصل استعدادًا لمُحاربته، إلا أن ابن حمدان سرعان ما كاتبه مُعتذرًا، ثم أخذ ثقله وأولاده إلى أرمينية هربًا، وأكمل مُؤنس وجيشه توطيد الاستقرار حتى سيطر على جزيرة ابن عمر وأعادها لسُلطة الخلافة مُباشرةً.[59]
الاضطرابات في بلاد أذربيجان
[عدل]كان يُوسف بن أبي السَّاج واليًا على أذربيجان وأرمينية منذ وزارة ابن الفُرات الأولى، ومُلزمًا كغيره من الولاة بتأدية الخراج إلى ديوان الخلافة، فلما عُزل ابن الفُرات ومن بعده الخاقاني ومن ثم ابن الجرَّاح، بدأ ابن أبي السَّاج بتأخير تأدية المال، ثم رأى نفسه قويًا في إمارته، فامتنع كليًا عن الدفع للخلافة في سنة 304هـ / 916م، وبسبب ذلك، دارت العديد من المواقف والرسائل بين الطرفين، والتي انتهت بإرسال المُقتدر، القائد مُؤنس الخادم لحرب ابن أبي السَّاج، فتمكن من الظفر به في مُحرَّم سنة 307هـ / يونيو 919م، وأسره وجاء به إلى بغداد مُشهَّرًا على جمل، وأدخل إلى الخليفة وحُبس في داره عند القهرمانة المُتنفذة زيدان.[60]
بعد أن عاد مُؤنس من أذربيجان إلى العراق، انتفض سُبُك غُلام ابن أبي السَّاج مع أنصاره انتقامًا لما جرى لسيده، فسيطر على كامل بلاد أذربيجان في ثورة كبيرة، وحينها، أُرسل إليه القائد مُحمَّد بن عبيد الله الفارقي لمُحاربته، إلا أن الفارقي انهزم وعاد إلى بغداد. كتب سُبُك إلى الخليفة يسأله أن يُوليه على أذربيجان، فأجابه لكنه اشترط عليه أن يدفع 220 ألف دينار سنويًا، إلا أنه لم يعمل بذلك. لم يدم حبس ابن أبي السَّاج في بغداد، فقد شفَّع فيه مُؤنس لدى الخليفة في سنة 310هـ / 922م، وأجاب لطلبات المُقتدر بتقديم 500 ألف دينار سنويًا إذا عاد واليًا، فوافق المُقتدر وعقد له على الرَّي، وقزوين، وأبهر، وزنجان، وأذربيجان. وبعد عودة ابن أبي السَّاج إلى أذربيجان، علم بوفاة سُبُك.[52][61]
اضطِّراب الأوضاع وظهور المصائب
[عدل]الاضطِّرابات الأهليَّة
[عدل]اضطَّربت أحوال الخلافة وكثر التولية والعزل فيها، فضلًا عن تعدد مراكز القوى وازدياد نفوذها في بلاط الخليفة، الأمر الذي أدى لانعكاس هذا الوضع على عامَّة الناس، وبدأ الاستياء والسَّخط والإشاعات تنتشر بينهم حتى وصلت إلى حد خطير يؤثر على الخلافة نفسها، وأول ذلك حين وقعت فتنة في يوم 12 ذي الحجَّة سنة 296هـ / 2 سبتمبر 909م، وذلك بين القائد نجح بن جاخ، وبين الأجناد في منى الواقعة في مكَّة، بعد أن طالبوا بجائزة بيعة الخليفة المُقتدر وتمردوا، فقُتل منهم جماعة، وهرب الناس إلى بستان ابن عامر، وأصاب الحجَّاج في عودهم عطشٌ عظيم ومات منهم جماعة.[9][62] وظهرت جماعة في بغداد ادَّعت الرُّبوبيَّة في حق رجل يدعى محمد بن بشر، فأخذوا وقتلوا في شوَّال سنة 298هـ / يونيو 911م.[63][64][65] ويروي المُؤرخون ظهور حيوان غريب، يُقال له الزَّبزب في أوائل سنة 304هـ / منتصف 916م، فكان يطوف الليل ويأكل الأطفال من الأسرَّة ويعدو على النيَّام، وربما قطع يد الرجل وهو نائم، وبات الناس يتحارسون طوال الليل، ويتزاعقون ويضربون الطسوت والهواوين والصواني لإصدار الأصوات القويَّة فوق أسطح ديارهم، بهدف إفزاع الحيوان وإرعابه، فكانت بغداد ترتج من شرقها وغربها من مسألة هذا الحيوان، واغتنمت اللُّصوص هذه الشوشة وكثر النَّهب في تلك الفترة، فأمر الخليفة المُقتدر بأن يُؤخذ حيوان من كلاب الماء ليُصلب على الجسر ليهدئ من الرُّعب الذي اجتاح أهالي بغداد، فاطمأن الأهالي واستراحوا من همه، بل وتبين لبعضهم أنه لا حقيقة لما توهموه، وعادوا إلى حياتهم.[66][67]
وفي جنوب العراق، انفجر الوضع بين أهل البصرة وواليها الحسن بن خليل الفرغاني أكثر من مرة ثم ما تلبث أن تهدأ، حتى حلول عام 305هـ / 917م، فقد تعاظمت الفتنة وتوجَّه أهالي المدينة لحصار الحسن بن خليل ومعه كل الجنود، فقطعوا القناة المائية التي تغذي الناحية التي يقيمون فيها، وأحرق الجامع، وكانوا يقتلون كل جندي يرونه، ورغم أن الحسن قاد مجموعة من عساكره لإخماد هذه الثورة وقتل أعداداً كثيرة من المتمردين، إلا أنه عجز عن تهدئتهم واضطَّر للخروج من المدينة بعد أن عزله الخليفة المُقتدر.[68][69] شاع موت الخليفة المُقتدر بالله في سنة 306هـ/ 918م، فشغبت العامَّة في بغداد، حتى قرر المُقتدر الخروج في موكب عظيم، فوقف طويلًا ليراه الناس، ثم ركب إلى الشَّمَّاسيَّة وعاد إلى دار الخلافة في دجلة وهدأت الفتنة.[70]
ثارت فتنة بين أهل بغداد والحنابلة في نفس السنة المذكورة سابقًا، حتى أمر المُقتدر بحبس جماعة منهم في البصرة.[71] ثم تجددت الفتنة بين الحنابلة بقيادة أصحاب أبو بكر المروذي الحنبلي وبين غيرهم من العامَّة في سنة 317هـ / 929م ودخل فيها كثير من الجند بسبب خلاف حول آية، فوقع العديد من الناس قتلى.[72][73] ظهر شغب بين المساجين في بغداد وتمردوا في ربيع الآخر سنة 306هـ / أكتوبر 918م، ومع أن قائد الشُّرطة نزار بن محمد تمكن من إخماده، إلا أنه عُزل واستبدل بنجح الطُّولوني، ولضعفه لم يتمكن من ضبط الأمور، فقد هجم الكثير من العامَّة على السُّجون وأخرجوا من كان فيها بعد سنة من التمرُّد، إلا أن الشُّرطة تمكنت من إعادة كل من هربوا لاحقًا.[74]
ولعلَّ أبرز ما ذُكر، هو ظهور فتنة كبيرة في مدينة الموصل بين أصحاب المطاعم والأساكفة سنة 307هـ / 919 أو 920م، فقد وقعت اشتباكات دامية أدت لاحتراق سوق الأساكفة، في حين كان الوالي خارجًا، فلما أراد العودة لم يتمكن من دخولها، وعزم أهالي الموصل على قتاله، فحصنوا البلد وسدوا الدروب، فاستعمل مرتزقة من الأعراب وأمرهم بتخريب ما بنوه، إلا أن الأمور ازدادت سوءًا، فارتكبوا النَّهب والسَّلب وقطعوا الطرق، وحين وصل الخبر إلى المُقتدر، أمر بعزله واستبدله في سنة 308هـ / 920م، واستعمل من بعده عبد الله بن محمد الفتان، وكان عفيفًا صارمًا، فمنع الأعراب وكفهم عن التخريب. تكرَّر نفس الحادث بعد عشرة أعوام، في مُحرَّم سنة 317هـ / مارس 929م، واندلعت الاشتباكات بين أصحاب المطاعم من ناحية، وبين المُربِّعة والبزَّازين من ناحية أخرى لينضم لهم الأساكفة، فاقتتلوا حتى كانت محرقة كبيرة في الأسواق ومقتلة بين الناس، ولم يتمكن الوالي آنذاك الحسن بن عبد الله الحمداني من تهدئة الفتنة، حتى تدخل العُلماء وأهل الدين وسكنت الفتنة أخيرًا.[75]
الأحداث الجويَّة السيئة وانتشار الأوبئة
[عدل]في صيف سنة 299هـ / منتصف 912م، هبَّت رياحٌ حارَّة صفراء شديدة في حديثة الموصل، فمات من شدة حرها خلقٌ من الناس.[63][64] ووقع طاعون في فارس في نفس السنة المذكورة سابقًا، أدى لمقتل سبعة آلاف إنسان.[65] وفي سنة 300هـ / 913م، بدأت الأمراض والأوبئة تظهر في بغداد، وظهرت الكلاب الشرسة والذئاب في البادية، فكانت تقصد الناس والبهائم في النهار، وتسببت في قتل العديد من الناس، وسقطت قطعة من جبل لبنان إلى البحر، وانحسر جبل في الدينور، فخرج من تحته مياه كثيرة أغرقت عدد من القُرى.[76][77] وبعد سنة، كثرت الأوبئة وانتشر الطاعون في بغداد، وتحديدًا بين ذي الحجَّة سنة 301 ومُحرَّم 302هـ / يوليو وأغسطس عام 914م، وسُمي الطاعون باسم الماشري، وبسبب ذلك، أُصلحت البيمارستانات وأنشئ غيرها بهدف احتواء الأوبئة وتفشي الأمراض المعدية.[78][79][80] في شتاء سنة 307هـ / 920م، سقط ثلج على بغداد من بُكرة إلى العصر، حتى بلغ ارتفاعه أربعة أصابع، وتزامن مع برد شديد، فتجمَّد الماء والخل والبيض وغيره، وهلك النَّخل والكثير من الأشجار.[56][81] وللحرائق شأنٌ آخر في بغداد، فقد وقعت حرائق في مناطق سكنية كثيرة، منها حريقان كبيران وقعا في الكرخ في سنتي 307 و309هـ، وحريق في باب الشام، وسويقة نصر، أدت لمقتل الكثير من الناس واحتراق البيوت.[54][73][82]
ظهور القرامطة والإسماعيليين
[عدل]تدمير البصرة ونهبها
[عدل]ظهرت حركة شيعيَّة إسماعيليَّة مُتشددة عُرفت باسم القرامطة في بلاد البحرين يقودها أبُو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي - فارسيُّ الأصل -، وذلك منذ عهد المُكتفي بالله، فتمكن من الاستيلاء بالقُوَّة على هجر والأحساء والقطيف، فلما بُويع المُقتدر، وبلغه ما قام به الجنابي، أرسل له كتابًا لينًا ليُطلق فيه سراح الأسرى المُسلمين الذين أخذهم في معاركه، وناظره في عقيدته وأظهر له الدليل على فساد مذهبه، إلا أن رُسُل المُقتدر جاءهم الخبر بمقتل أبُو سعيد في الحمَّام من قبل أحد الخُدام الصَّقالبة في عام 301هـ / 913م، وحينما جاؤوا إلى مقر حكمه، وجدوا ابنه الذي يبلغ من العمر سبعة أعوام، قد تولى شؤون الطَّائفة بعد أبيه، ويُدعى أبُو طاهر الجنابي، فأكرم الرُّسُل وأطلق الأسرى.[83]
وبعد مرور السنوات، كبر أبُو طاهر، ووضع نُصب عينيه على جنوب العراق، فقد كانت تحت سُلطة الخلافة، والتي كانت تشهد صراعات داخليَّة مُستمرَّة، فشن أبُو طاهر هجومًا مكونًا من ألف وسبعمائة من القرامطة بقيادته على مدينة البصرة في 20 ربيع الآخر سنة 311هـ / 11 أغسطس 923م، فدخلها وقتل حاميتها ووضع السَّيف على أهلها طوال سبعة عشر يومًا، لتنتهي الحملة في 8 جمادى الأولى / 28 أغسطس، وحمل منها ما يقدر عليه من المال والأمتعة والجِمال والنساء والصبيان ثم عاد إلى بلده.[84][85][86]
قطع طريق الحُجَّاج ونهب الكوفة
[عدل]في أيام ذو الحجَّة سنة 311هـ / مارس 924م، شنَّ القرامطة الذين يبلغ عددهم 800 مُقاتل بقيادة أبو طاهر الجنابي، هجومًا على قافلة للحُجَّاج كانت في طريق عودتها من مكَّة نحو العراق، وكانت متوقفة للاستراحة في منطقة الهبير، فقُتل العديد من أهالي بغداد الحجَّاج، وأسر أشخاص بارزون ومنهم أبُو الهيجاء بن حمدان وعمُّ والدة المُقتدر أحمد بن بدر، وغنموا ما يُعادل مليون دينار ومن الأمتعة والمتاجر، وسلبوا الناس جمالهم وزادهم وأموالهم ونساؤهم في البريَّة، دون زاد ولا ماء ولا محمل. أثار هذا الفعل حنق وغضب أهالي بغداد وحدثت بعض الاضطرابات وناحت النساء في شوارعها، وبدأت الإتهامات تظهر ضد الوزير ابن الفرات بسبب تشيُّعه، إلا أنه حلف بأنه ما كاتب القرمطي ولا هاداه، والمُقتدر مُعرضٌ عنه، ليُنكَّب الوزير لاحقًا.[87][88][89]
وحينما وردت الأنباء بنية القرامطة التوجه نحو مدينة الكوفة، أمر الخليفة المُقتدر، قائده مُحمَّد بن ياقوت للخروج على رأس جيشٍ كثيف ومعه ولداه المُظفَّر ومُحمَّد، وحينما ورد ذلك الخبر على القرامطة، عادوا من حيث أتوا، فقد كان أسلوبهم العسكري يقوم على مبدأ الهجوم السريع دون الاصطدام بقوات نظاميَّة غالبًا.[88][89][90] قرر أبو طاهر التقرُّب من الخليفة بإطلاق سراح من عنده من أسرى الحُجَّاج، وطلب من الخليفة تقليده ولاية البصرة والأهواز، فلم يجبه المُقتدر لطلبه بسبب بشاعة سيرته وفساد مذهبه، فسار القرامطة من عاصمتهم هجر نحو الكوفة في سنة 312هـ / 925م، وتغلبوا على الحامية العبَّاسيَّة والمُكونة من ألف مُقاتل من بني شيبان بقيادة واليها جعفر بن ورقاء الشيباني. أقام القرامطة ستة أيام في الكوفة وحملوا من الأموال والثياب وغيره وعادوا إلى هجر.[90][91][92]
كرر القرامطة نيتهم الهجوم على الكوفة، فزحفوا نحوها في أواخر رمضان سنة 315هـ / منتصف نوفمبر 927م، وسرعان ما أمر الخليفة المُقتدر، يُوسف بن أبي السَّاج بالتوجه إليها لحمايتها، وعلى الرُّغم من قلة عدد القرامطة، إلا أنهم تمكنوا من هزيمة الجيش العبَّاسي وأسر ابن أبي السَّاج ليُعدم في مُعسكر أبُو طاهر. دارت معركة في سور مدينة هيت بعد أن سيَّر الخليفة جيشًا نحوها، ليحقق العبَّاسيين أول انتصارٍ لهم على القرامطة، ما أوقف هجماتهم جنوب العراق بعض الشيء، ومع ذلك، حزن المُقتدر لمقتل ابن أبي السَّاج والجُند الذين معه.[90][93] استمر القرامطة بالإغارة على قوافل الحُجَّاج ونهبهم بين الفترة والثانية،[94] وشنُّوا هجمات متواصلة بهدف النهب نحو الأنبار، والرَّقَّة، ورأس عين في سنة 316هـ / 928م، ترافق ذلك مع حملات عبَّاسيَّة مُتأخرة بعض الأحيان،[95] إلا أن هجماتهم ضعفت في جنوب العراق وخفَّت، بعد أن تمكن الجيش من إنهاء ثورات إسماعيليَّة مُنحازة للقرامطة في الكوفة.[96]
مذبحة مكة واقتلاع الحجر الأسود
[عدل]بعد توقُّف هجمات القرامطة في جنوب العراق، لم تثنى عزيمتهم في القيام بهجمات أخرى والإغارة على قوافل الحُجَّاج بين الفترة والأخرى، إلا أن أكبر الهجمات التي سجَّلها التاريخ، ما حصل في المدينة الإسلاميَّة المُقدَّسة، مكَّة المُكرَّمة، والتي ظهرت الشائعات بين الفترة والأخرى عن نيَّة أبُو طاهر الجنابي التوجه نحو المدينة ومهاجمتها، ما جعل أهلها يرسلون نساؤهم وأموالهم إلى مدن أخرى مثل الطائف، وذلك خوفًا من أنباء قدومه.[96][97] بعد فترة الخلع الثانية للمُقتدر من قبل مُؤنس المُظفَّر وعودته، انتهز القرامطة لحظات الضعف والاضطراب في دار الخلافة، مُتوجهين نحو مكَّة بقيادة أبُو طاهر، ووصلوا إليها في يوم التروية الثَّامن من ذي الحجَّة سنة 317هـ / 11 يناير 930م،[98] وقيل في السَّابع من ذي الحجَّة،[99] فدخلوا الحرم وعملوا السيف على الحُجَّاج وقتلوهم في ساحة الحرم المكي وفي الكعبة نفسها، واقتلعوا بابها وخلعوا كسوتها، ورموا القتلى في بئر زمزم، ودُفن بعضهم في السَّاحة من غير صلاة، وصعد أبو طاهر على عتبة الكعبة وصاح: «أنا بالله وبالله أنا .. يخلقُ الخلق وأفنيهم أنا»، وقُتل في سِكك مكَّة وما جاورها زهاء ثلاثين ألفًا، وأقام القرامطة في الحرم نحوًا من ستة أيام.[98][99][100] لم يكتفي القرامطة بما فعلوا، بل اقتلعوا الحجر الأسود من مكانه وأخذوه معهم إلى عاصمتهم هجر، في خطوةٍ أثارت ضجَّة وحُزنًا في العالم الإسلامي.[100][101]
ساءت صورة القرامطة في العالم الإسلامي بعد هجماتهم الأخيرة، ويُعلق الباحث المصري محمد إلهامي على صدمة الحدث ومخرجاته قائلًا: «ولا شك أن حدثًا كهذا اهتز له عالم الإسلام كله، بل تزلزل من أجله، وافتضح أمر القرامطة لمن بقي في نفسه ذرة من بصر أو عقل، فعلم القاصي والداني أنهم على غير ملة الإسلام وأنهم خارجون عنها بالكليَّة».[102] ويُعلِّق الشيخ والمُؤرخ المصري محمد الخضري بك قائلًا: «ولم يحصل في التاريخ أن انتهكت حرمة هذا البيت إلى هذا الحد».[101] حينما بلغت أحداث مجزرة مكة أوَّل الخُلفاء الفاطميين عبيد الله المهدي حاكم إفريقيَّة، كتب إلى أبُو طاهر يلومه ويلعنه ويتهمه بإلصاق تهمة الكفر والإلحاد على الدَّعوة وهدده بالتبرُّؤ منه إن لم يعيد الحجر الأسود وكسوة الكعبة، فردَّ أبو طاهر بعض الأموال إلى أهل مكة إلا أنه ماطل في رد الحجر الأسود ولم يعيده، واعتذر بأن كسوة الكعبة وأموال الحُجَّاج قد تفرَّقت بين الناس ولا يستطيع ردها.[103] وكانت الهجمة على مكة هي ختام هجماتهم ضد الحجَّاج أو مكة.[104] أعاد القرامطة الحجر الأسود بعد نحو اثنين وعشرين سنة من أخذه، وتحديدًا في زمن السَّيطرة البُويهيَّة على الخلافة العبَّاسيَّة، في عهد الخليفة الفضل المُطيع بن جعفر المُقتدر سنة 339هـ / 950م.[101][105]
تحرُّكات الإسماعيليين في العراق
[عدل]تزامنًا مع هجمات القرامطة الإسماعيليين على جنوب العراق، ظهرت جماعات إسماعيليَّة تدريجيًا في أرض السَّواد وما جاورها، ففي صفر سنة 310هـ / يونيو 922م، بلغ الخليفة المُقتدر أن جماعة من الرَّافضة يجتمعون في مسجد براثا في بغداد، ينالون من الصَّحابة ولا يصلُّون الجُمعة ويكاتبون القرامطة، وحين دخلت الشُّرطة إلى المسجد وجدوا ثلاثين شخصًا يصلُّون وقت الجمعة، ويعلنون البراءة ممن يتخلَّف عن بيعة المُقتدر، فلم يصدقوهم وقُبض عليهم، وبعد تفتيشهم، وجدوا معهم خواتيم من طينٍ أبيض عليها «محمد بن إسماعيل الإمام المهدي ولي الله»، فحبسوهم، وتمكن الوزير الخاقاني من الحصول على فتوى جماعة من الفُقهاء لهدم مسجد براثا بدعوى أنه مسجد ضرار وكفر وتفريق بين المُؤمنين، وأنه إن لم يُهدم سيبقى مأوى للدُّعاة والقرامطة الإسماعيليين، فأمر المُقتدر بهدمه وهدمه نازوك صاحب الشُّرطة.[107]
وفي مدينة الكوفة سنة 316هـ / 928م ظهرت خلايا شيعيَّة إسماعيليَّة نائمة كانت تكتم حالها وشأنها، فاجتمع أكثر من عشرة آلاف رجل فيها تحت قيادة حريث بن مسعود، واجتمعت طائفة أخرى في عين التمر ونواحيها بقيادة عيسى بن موسى، فدعوا إلى المهدي، وسيطروا على الكوفة وعملوا القتل بين الناس وانتهبوهم وسبوا منهم. وتحت ضغط الأنباء حول سيطرتهم على مناطق السَّواد، أمر المُقتدر بتسيير جيشين، الأوَّل بقيادة هارون بن غريب لمُحاربة حريث بن مسعود، والجيش الثاني بقيادة صافيًا البصري لمُقاتلة عيسى بن موسى، وتمكن العبَّاسيين من هزيمة القرامطة، فقتلوا أعدادًا كبيرة منهم، وأسروا خلقًا كثيرًا منهم، وأُدخلو إلى بغداد منكوسين مع علمهم الأبيض الذي كتب عليه آية قُرآنيَّة: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ٥﴾ [القصص:5]، فأُدخلت بغداد منكوسة، واضمحل أمر القرامطة والإسماعيليين في أرض السَّواد، وفرح أهالي بغداد بزوال خطرهم وأكثروا جنبًا إلى جنب مع الخليفة المُقتدر ووالدته من الصدقة.[96][108][109] ومن الأحداث الأخيرة في زمن المُقتدر، ظهور رجُل بين الكوفة وبغداد في شوَّال سنة 318هـ / نوفمبر 930م، مُدعيًا أنه مُحمد بن إسماعيل بن جعفر الصَّادق، على الرُّغم من اختلاف الزمان، فصدَّقه طائفة من الأعراب والناس والتفوا عليه، وقويت شوكتهم بعد أن تزعَّم جماعات الإسماعيليَّة، فأُرسل إليه جيشًا بقيادة أحمد بن سعيد، فقاتلوه حتى انهزم وقُتل مع الكثير من أنصاره.[89][110]
ظهور الحُسين بن منصُور الحلَّاج
[عدل]خلفيته ونشأته
[عدل]ولد أبُو مُغيث الحُسين بن منصُور الحلَّاج في إحدى بلدات كورة إصطخر من ولاية فارس في مطلع عام 244هـ / 858م، ويروى أن جده مجوسي من أصل فارسي، ويُقال أيضًا أنه من ذرية أبو أيوب الأنصاري.[111][112] عمل والده في النَّسيج ولهذا سُمي حلَّاجًا، وقيل أنه كان يُكاشف أهل الأهواز بما في قلوبهم، فسمُّوه حلَّاج الأسرار، وبه بات يُعرف.[113] منذ صغره ارتحل الحلَّاج نتيجة ضائقة والده الماديَّة إلى واسط للعمل بها، وكانت مركزًا هامًا يُقيم بها الأشاعرة والحنابلة وأهل الحديث وغيرهم، فأصبحت مُلتقى للبحث والتدريس في ساحاتها، وعلى هذا الأساس، نشأ الحلَّاج في هذا الجو، فحفظ القُرآن في العاشرة من عمره، وتعمَّق في فهم معانيه، وأقبل على تعلُّم الفقه والتوحيد والتفسير وغيره، وتفقَّه في الحكمة والتصوُّف والزُّهد ونهل من شتَّى العُلوم.[114]
بحلول العشرين من عمره، أعجب الحلَّاج بالإمام الصُّوفي سهل بن عبد الله التَّستري وتعلَّم منه، ثم ارتحل إلى البصرة وزادت علاقته بالصُّوفيَّة أكثر، وأن له نشاطًا في مكة، إلا أن شيخ الصُّوفيَّة فيها، عبد الله المغربي، ظنَّ أن به خطبًا وأنه يتصبَّر على قضاء الله حتى يبتليه بما يعجز عنه صبره، وذلك بعد أن رآه صاعدًا جبل أبي قبيس ووقوف الحلَّاج حافيًا على صخرة، مكشوف الرَّأس والعرق يتصبَّب منه.[115][116][117] ويسرد المُؤرخ المُسلم ابن الأثير الجزري ابتداء أمره قائلًا: «وكان ابتداء حاله أنه كان يُظهر الزهد والتصوُّف، ويُظهر الكرامات، ويخرج للناس فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، ويمد يده إلى الهواء فيعيدها مملوءة دراهم عليها مكتوب: قل هو الله أحد، ويُسميها دراهم القدرة، ويخبر الناس بما أكلوه، وما صنعوه في بيوتهم، ويتكلم بما في ضمائرهم، فافتتن به خلقٌ كثير واعتقدوا فيه الحلول»، فاختلف الناس في حاله، فمنهم من قال أنه وليٌ من أولياء الله وحاز على كرامات الصَّالحين، ومنهم من قال أنه مشعوذ كذَّاب، إلى الأقوال أنه ساحرٌ ومُتكهن وأن الجن تُطيعه فتأتيه بالفاكهة في غير أوانها، حتى ادَّعى بعضهم فيه الرُّبوبيَّة.[116]
اصطدام الحلَّاج بالبلاط العبَّاسي
[عدل]ارتحل الحلَّاج إلى بغداد عائدًا من مكَّة والتقى شيخ الصُّوفيَّة الجنيد البغدادي، وما زال يتنقَّل ويعظ وينشر فكره، حتى وصلت أخباره إلى الوزير في تلك الفترة حامد بن العبَّاس.[116] نُقل إلى مسامع الوزير أن الحلَّاج يُحيي الموتى، وأن الجن يخدمونه، وأنهم يُحضرون إليه ما يُحب ويشتهي، ومن شدة تأثيره أن نصر الحاجب مال إليه مع جماعة من حاشية الخليفة المُقتدر، ما جعل الوزير حامد يطلب من الخليفة المُقتدر أن يأمر باستدعاء الحلَّاج لمُحاججته والنظر في أمره الغريب، فاستدعي ومعه إنسان يُعرف بالشَّمريّ، فقرَّره الخليفة على ما جرى من أمر الحلَّاج، ولم ينكر الشَّمريُّ ذلك وقال أنه بالإضافة له وغيره، فهم يُؤمنون بأن الحلَّاج إله، وأنه يُحيي الموتى فعلًا، وحينما قابلوا الحلَّاج أنكر ذلك وقال: «أعوذ بالله أن أدعي الرُّبوبيَّة أو النُّبُوَّة، وإنما أنا رجل أعبد الله عزَّ وجل!»، واستدعي جماعة من وجود القُضاة مثل أبُو جعفر بن البهلول وأبُو عمرو وجمعٌ من الفُقهاء والشُّهود، وبعد استفتائهم في أمره، رفضوا الحُكم عليه بغير ما ادَّعى وأنه لا يجوز قتله، ولا يجوز قبول أقوال الشَّمريُّ وغيره إلا ببينة وإقرار.[116]
إباحة دم الحلَّاج وإعدامه في بغداد
[عدل]لم تُثنى عزيمة الوزير حامد بن العبَّاس في كشف أمر الحلَّاج، وقرر أن يجدَّ ويجتهد في أمره، ودارت الكثير من الأحداث، فقد كان يُظهر الزُّهد وأعجب به كثير من الخدام والحشم في دار الخلافة، حتى أصبحوا يتبركون به ويتمسحون بثيابه،[118] حتى وجد الوزير للحلَّاج كتابًا يقول إذا صام الإنسان ثلاثة أيام بلياليها ولم يفطر، وأخذ في اليوم الرابع ورقات هندباء وأفطر عليها، أغناه ذلك عن صوم رمضان، وأنه إذا تصدَّق المرء في يوم واحد بجميع ما يملكه في ذلك اليوم، أغناه عن الزكاة، وإذا بنى بيتًا وصام أيامًا ثم طاف حوله عريانًا مرارًا أغناه عن الحج، وما إلى ذلك.[119][120] طلب الوزير من القاضي أبُو عمرو أن يرى أفكار الحلَّاج في كُتُبه، فلما رآه استُدعي الحلَّاج وناظره في ذلك، وسأله عن مصدر علمه، فأجاب الحلَّاج أنه قرأها من كتاب الإخلاص للحسن البصري، وقيل بل أسنده عن رجل عن الحسن البصري، فقال القاضي مُتعجبًا: «كذَّبت يا عدو الله يا كافر يا فاجر يا حلال الدم»، وسُرعان ما قُبض عليه، على الرُّغم من أن الحلَّاج كان يُردد انتمائه للإسلام وبمذهب أهل السُّنَّة وأن دمه لا يُحل لهم. كتب الوزير إلى الخليفة يستأذنه في قتله، وأرسل فتاوي القُضاة بناءً على ما ظهر منه.[54][119]
دخل الحلَّاج مُقيدًا إلى الخليفة مرفوع الرأس، وحيَّاه بالإسلام وبدأ يحذر الخليفة وينذره ويطالبه بإصلاح الأوضاع حتى يرضى الله عنه، وأنه مُستسلمٌ لقضاء الله عليه ولا يعترض على حكم الخليفة ولا يلومه، إلا أن الخليفة أعاده إلى السجن مُؤقتًا حتى يتثبَّت في أمره.[121] إلا أنه قبل يوم من إعدامه، حصل الوزير على توقيع الخليفة المُقتدر بعد أن وضحت الحجَّة عليه، وأصبح لا بد من إقامة الحد عليه.[120] وفي يوم الثلاثاء 23 ذو القعدة سنة 309هـ / 25 مارس 922م، جُلد الحلَّاج نحو ألف سُوط أمام حشدٍ كبير من الناس،[122] ويُروى أنه لم يصدر عنه صوتًا وما فتر لسانه عن ذكر الله،[54][123] ثم قُطعت أعضاء جسده في اليوم الثاني،[124] ليلفظ أنفاسه الأخيرة وقُتل من أثر ذلك، ثم أحرق بالنار وأُلقي رماده في دجلة، حتى نُصب رأسه في بغداد.[54][125] عانى أنصار الحلَّاج من المُلاحقة وتفتيش منازلهم للعثور على الكُتُب، وتمكن بعضهم من الاستتار مثل ابن حمَّاد، ومما عثر عليه في كُتُب الحلَّاج إليهم، وصايا عديدة منها أن يدعون الناس وما يأمرهم به حتى ينتقلوا إلى المرتبة والغاية القُصوى، وأن يُخاطب الدُعاة كُل قومٍ حسب عقولهم وفهمهم، ومدى استجابتهم وانقيادهم، وبها الكثير من الكلمات التي لا يعلمها إلا من كتبها ومن كُتبت إليه.[126][127]
الاصطدام الأوَّل مع مُؤنس وخلع المُقتدر الثَّاني
[عدل]خلفية تاريخيَّة
[عدل]شكَّل الجيش العبَّاسي مركز ضغطٍ ونُفوذ لا يمكن تجاهله في إضعاف الخلافة العبَّاسيَّة، والتي بدأت مع مقتل عاشر الخُلفاء جعفر المتوكل على الله، وانتهت في السَّنوات الأخيرة من عهد الخليفة الخامس عشر أحمد المعتمد على الله، وعرفت بفوضى سامرَّاء. ومنذ ذلك الحين، تضاءل دور قادة الجيش منذ أواخر عهد الخليفة المُعتمد، غير أنهم سرعان ما استعادوا مكانهم البارز من جديد بعد وفاة أحمد المُعتضد بالله، والتي تمثلت بشخصيَّة بدر المُعتضدي، فحاز على نفوذ كبير بعد وفاة المُعتضد، ليواجهه الخليفة علي المُكتفي بالله وتخلَّص منه حتى قال: «الآن ذقت طعم الحياة ولذة الخلافة».[128] صعد نجم القائد مؤنس الخادم (وهو غُلام روميُّ الأصل)، في عهد الخليفة المُكتفي،[129][130] وأصبح واحدًا من الرجال القلائل المُعتمد عليهم، وأحد الذين أرادوا تنصيب الخليفة المُقتدر بالله. وحينما حدث الانقلاب الأوَّل بقيادة ابن المُعتز، كان مُؤنس الخادم ومُؤنس الخازن وغريب الخال، من الأقليَّة التي دعمت المُقتدر وساندته في ذلك الظرف العصيب. وبعد فشل الانقلاب، كسب مؤنس محبة وتقدير لدى المُقتدر، فولَّاه قيادة الجيش في سنة 298هـ / 910م وفاءً لدوره وصنيعه ورصيده العسكري.[131] عُرف مُؤنس بلقب المُظفَّر منذ ربيع الآخر سنة 309هـ / أغسطس 921م، وظهرت براعته بجهوده العسكريَّة المُوفَّقة على مختلف الجبهات، فمن الانتصار على الفاطميين في الديار المصريَّة، إلى مُجاهدة الرُّوم في الثُّغور مرارًا وتكرارًا، ما أكسبه خبرة ومحبة الجنود، وأصبحوا يُفضلون الخدمة تحت إمرته لتزيد أرزاقهم، فكان تحت قيادته 112 قائد على أقل تقدير، ليتمتع بمنزلة القائد الأعلى للجيش العبَّاسي.[82][132][129] حصل المُظفَّر على مكانة عظيمة في الدَّولة، جعلته مع مرور الوقت، يطغى على شخصية الخليفة المُقتدر، والذي بدأ الأخير يتململ من نفوذه وهيمنته ومُشاركته في تعيين الوزراء وعزلهم، فبدأ في محاولة التخلُّص منه عبر عدة تدابير، باءت جميعها بالفشل، الأمر الذي أدى للاصطدام معه لاحقًا.[133]
الاصطدام الأوَّل مع مُؤنس المُظفَّر
[عدل]كان الخليفة المُقتدر قد ناهز الثَّلاثين من عمره في سنة 311هـ / 923م،[134] وأراد تبعًا لذلك أن يُمارس صلاحيَّاته كخليفة فعلي في البلاد، غير أن هذه المُهمة كانت صعبة للغاية بحلول ذلك الوقت، ولذلك لجأ المُقتدر في سنة 315هـ / 927م إلى إعمال الحيلة للتخلُّص من مُؤنس، حيث أمر بحفر جُبَّة في دار الشجرة حينما يُودع مُؤنس قبل الخروج ومُجاهدة الرُّوم، غير أن أحد خُدام المُقتدر كشف في الوقت المناسب، إلا أن المُقتدر حلف له على صفاء نيته، وودعه قبل سفره مع الجيش في 10 ربيع الآخر 315هـ / 15 يونيو 927م، ولكن بدأ مُؤنس في أخذ الحذر.[97] بدأت المشكلة تتفجَّر بين الطرفين بعد حدوث مشكلة بين نازوك (أحد المُوالين لمُؤنس المُظفَّر) وبين هارون بن غريب الخال والمعرُوف بابن الخال (ابن خال الخليفة المُقتدر) في بغداد، ومع أن المُقتدر أخبر نازوك بأنه وابن الخال عزيزان عليه ولن يتدخل بينهما، إلا أنهما اقتتلا لاحقًا بأنصارهما وسقط العديد من القتلى، فأرسل المُقتدر إليهما ينكر اقتتالهما، فتوقفا وسكنت المشكلة، وشعر نازوك بتغيُّر الخليفة عليه وأنه لم يقف معه وفضَّل ابن خاله عليه، وبدأت الإشاعات في بغداد تحوم حول ترقي ابن الخال لمرتبة أمير الأمراء بدلًا من مُؤنس المُظفَّر، فعظم ذلك عند أصحاب الأخير، وكتبوا إليه بالأخبار، حيث كان مُقيمًا بالرَّقَّة لترتيب أمر الثُّغور، فجاء مُسرعًا ونزل في الشمَّاسيَّة في شمال العاصمة بغداد، ومع أن أبُو العبَّاس بن المُقتدر توجه إليه مع الوزير ابن مقلة وأبلغاه سلام المُقتدر وافتقاده له، إلا أن الثقة باتت شبه معدومة بين الطرفين، وازداد مُؤنس نفورًا من الخليفة بعد أن علم بندامة ابن الخال للمُقتدر، وبقيت الأحوال على هذه الأوضاع حتى انقضاء السنة.[135]
خلع المُقتدر للمرة الثَّانية
[عدل]علم الخليفة المُقتدر أن الأوضاع بينه وبين مُؤنس المُظفَّر المُقيم في الشَّمَّاسيَّة، وأن المراسلات قد وصلت إلى نهاية مسدودة، وشعر باقتراب الاصطدام العسكري بينهما، فجمع الخليفة كُلًا من يشعر بموالاته له، مثل ابن الخال، وأحمد بن كَيْغَلَغ وفرق الغُلمان الحجريَّة والرجالة المصافيَّة وغيرهم، وذهب لمُلاقاة جيش المُظفَّر في أوائل مُحرَّم سنة 317هـ / أواخر فبراير 929م، إلا أنه بحلول آخر النهار من ذلك اليوم، انفضَّت مُعظم هذه القُوات عن الخليفة المُقتدر وانضمَّت إلى مُؤنس. ثم كتب الأخير رقعة إلى المُقتدر يذكر فيها أن الجيش عاتبٌ ومستنكر للسرف من قبل الخدم والحُرَم من الأموال والضياع، ولدخولهم في الرأي وتدبير شؤون البلاد، وطالبه "باسم هذه القوات" بإخراج ابن الخال من دار الخلافة. لم يجد المُقتدر إلا القبول لمطالب مُؤنس بعد الخيانات الكبيرة التي تعرَّض لها، فذكَّرهم بيعته في أعناقهم مرة بعد أخرى، وخوَّفهم عاقبة النكث، وأمر ابن الخال بالخروج من بغداد، ومنحه ولاية الثُّغور الشَّاميَّة والجزريَّة، فخرج ابن الخال في 9 مُحرَّم / 23 فبراير، وذكَّر مُؤنس بإحسانه إليه وإلى الجيش، وحذرهم من الكُفر بإحسانه، والسعي في الشر والفتنة، خوفًا من تكرار قصص فوضى سامراء.[136]
وأمام هذه التنازلات المُقتدريَّة بهدف تحقيق الأمان له ولذويه، دخل مُؤنس المُظفَّر وابن حمدان ونازوك ومعهم الجيش المُوالي له إلى بغداد، وتخوُّف أهالي المدينة من دخولهم، وبدأت الإشاعات تتحدث عن نية مُؤنس ومن معه بخلع الخليفة وتولية غيره، وبالفعل، ففي 15 مُحرَّم / 1 مارس، دخل مُؤنس ومن معه دار الخليفة، بعد أن هرب محمد بن ياقوت، وسائر الحُجَّاب والخدم والموالين للمُقتدر، حتى لم يكن في الدار سواه. استهل مُؤنس حضوره بأن أمر بخلع المُقتدر، و أُحضر أخوه، مُحمَّد بن المُعتضد، فبايعه الحاضرون، ولقَّبوه القاهر بالله، وشهد بخلعه القاضي أبُو عمر على كراهية، وأنصار مُؤنس حاضرين ومنهم ابن حمدان، الذي التفت إلى المُقتدر وقال له بلُطف: «يا سيدي يعزُّ علي أن أراك على هذه الحال، وقد كنت أخافها عليك، وأحذرها، وأنصح لك، وأحذرك عاقبة القُبول من الخدم، والنساء، فتؤثر أقوالهم على قولي، وكأني كنت أرى هذا، وبعد، فنحن عبيدك وخدمك»، فدمعت عينا ابن حمدان وعينا المُقتدر، وأودعوا كتاب الخلع عند القاضي أبُو عمر، فكتمه ولم يُظهر أمر الخلع لأحد سوى ابنه، وكافأه المُقتدر بأن عينه قاضي القُضاة لاحقًا.[136] بعد أن استقرَّت الأمور للخليفة القاهر بالله شكليًا، أخرج مُؤنس عليُّ بن عيسى بن الجرَّاح من السجن، وثبَّت ابن مقلة في الوزارة، وأضاف إلى نازوك تولي حجابة الخليفة، وكتب إلى ولايات الخلافة بذلك، فاستحكم المُظفَّر بجميع أركان الحُكم، ونُهبت دار الخليفة، وقُلِعت خيام الرجالة المصافيَّة من دار الخليفة، وأمر نازوك رجاله وأصحابه أن يقيموا مكانهم، فعظم ذلك عليهم، وأجرى سياسات مُشدَّدة للدخول إلى دار الخليفة، فاضطربت الحجبة من ذلك.[137]
عودة المُقتدر للخلافة واحتواء انقلاب مُؤنس
[عدل]في يوم الإثنين 17 مُحرَّم سنة 317هـ / 3 مارس 929م، امتلأت الممرات وشاطئ دجلة من أهالي بغداد، وحضرت القُوات المصافيَّة والمطرودين من قوات مُؤنس مُطالبين بحق البيعة ورزق سنة من الخليفة الجديد، ولم يكن مُؤنس حاضرًا آنذاك، فارتفعت الأصوات وصاح الناس، وخشي نازوك حدوث اقتتال معهم، فقد كان مخمورًا شرب طوال ليلته، فأمر أصحابه أن لا يعرضوا لهم بسوء، فزاد شغب المصافيَّة وشكوا إليه حالهم، فلما رآهم وبيدهم السُّيوف، خافهم على نفسه وهرب، فطمعوا فيه وتتبعوه وقتلوه وصاحوا: «يا مُقتدر يا منصُور!»، وحين سمع بذلك الخليفة القاهر بالله، هرب كل من كان في دار الخلافة، بدءًا من الوزير والحُجَّاب حتى سائر الطبقات، وصُلب نازوك وغلامه عجيبًا، فخاف القاهر على نفسه، ولاذ بالفرار مع أبُو الهيجاء بن حمدان.[137]
بعد أن رأى المصافيَّة تضعضع وتشرذم القاهر ومن معه، سُرعان ما استكملوا هجومهم وتوجهوا نحو دار مُؤنس المُظفَّر مُطالبين بالمُقتدر المسجون لديه، وخرج إليهم مُؤنس وسمع صياحهم، فسألهم عن مطالبهم، فأجابوه بأنهم يريدون المُقتدر، فأمر بتسليمه إليهم، فلما قيل للمُقتدر ذلك، خاف أن تكون حيلةً عليه، فامتنع، إلا أن الرجالة المصافيَّة حملوه على رقابهم حتى أدخلوه دار الخلافة، فسأل عن أخيه القاهر وجيء به، فاستدناه وأجلسه عنده وقبَّل جبينه، وقال المُقتدر: «يا أخي قد علمتُ أنه لا ذنب لك، وأنك قُهرت، ولو لقَّبوك بالمقهور لكان أولى من القاهر»، والقاهر يبكي ويطلب منه الرَّحمة، فرد المُقتدر: «وحق رسُول الله لا جرى عليك سوءٌ مني أبدًا، ولا وصل أحدٌ إلى مكروهك وأنا حي!»، وجيء برأس نازوك ورأس أبي الهيجاء بن حمدان، وشُهرا في بغداد ونادى المُنادي: «هذا جزاء من عصى مولاه». استهلَّ الخليفة المُقتدر أول قراراته بأن ثبَّت ابن مقلة على الوزارة، وكتب إلى ولايات الخلافة بما تجدد، وأطلق للجند أرزاقهم وزادهم، وباع ما في الخزائن من الأمتعة والجواهر، وأذن في بيع الأملاك من الناس. لم يكُن في هذه الأثناء مُؤنسًا راضيًا عما جرى، فقد وافق الجماعة مغلوبًا على رأيه، ولم يمكنه فعل شيء، وأمَّنه المُقتدر لأنه لم يتشبَّث بمُعارضته آنذاك، ووفاءً لحفظه أمن أهالي الخليفة وخدمه.[138]
القضاء على فرقة المصافيَّة
[عدل]بعد إعادة فرقةِ الرجالة المصافيَّة المُقتدرَ إلى الخلافة، عظم شرَّهم وقوي أمرهم، وزاد إدلالهم وامتيازاتهم، وأصبحوا يقولون أشياء لا يحتملها الخُلفاء، مثل: «من أعان ظالمًا سلَّطه الله عليه .. ومن يُصعد الحمار إلى السطح يقدر يحطه .. وإن لم يفعل المُقتدر معنا ما نستحقه، قاتلنا بما يستحق» ونحو ذلك من الكلام المُهين لسُلطة الخليفة وهيبته، وكثر شغبهم ومطالباتهم، فأدخلوا في معاشاتهم أسماء أولادهم وأهاليهم ومعارفهم، وبلغت نفقتهم الشهريَّة نحو 130 ألف دينار، وهو مبلغٌ كبير، ومع ذلك فقد صبر الخليفة المُقتدر على ذلك لكونهم ساعدوه وحفظ لهم مكانتهم، إلا أن فرق أخرى من الجيش لم تعد تحتمل ذلك، فقد شغبت فرقة الفُرسان المُهمة وطلبوا أرزاقهم بعد أن أشيع بفراغ بيت المال، وأن جميع الأموال فيه قد ذهبت إلى المصافيَّة، فثار الفُرسان واقتتلوا مع المصافيَّة حتى قتل جماعة من الفُرسان.[139]
بعد إيقاع المصافيَّة بسلاح الفُرسان، غضب الخليفة المُقتدر لمقتلهم، وثارت ثائرته ضد المصافيَّة، وأمر صاحب الشُّرطة مُحمَّد بن ياقوت بالقضاء عليهم والتخلُّص من شرهم. في مُحرَّم سنة 318هـ / فبراير 930م، شنَّت الشُّرطة العبَّاسيَّة هجومًا على فرقة الرجالة المصافيَّة، فنُودي بخروجهم عن بغداد، ومن أقام قُبض عليه وحُبس، فهرب الكثير منهم، وهـدمت دور زُعمائهم، وصودرت أملاكهم، وضربت جماعة منهم، وحُلقت لحاهم وشُهِّر بهم عقابًا لهم. بعد الإجراءات النهائيَّة ضد المصافيَّة، هاج جماعة من السُّودان تعصُّبًا لهم، فوجَّه ابن ياقوت بفرقة الحجريَّة عليهم، فأوقع بهم وأحرق منازلهم واحترق فيها جماعة كثيرة منهم، فخرج من بقي منهم إلى واسط، وتجمعوا بأعدادٍ كبيرة، فسيطروا على واسط وتحصَّنوا بها، ليسير إليهم مُؤنس موقعًا بهم القتل والتنكيل حتى أنهى أمرهم.[139]
الاصطدام الأخير مع مُؤنس المُظفَّر
[عدل]لم تطب الأمور بين الخليفة المُقتدر بالله ومُؤنس المُظفَّر بعد خلعه في المرة الأولى، ومع أنه أجرى مجموعة تعيينات بنا��ً على رغبة مُؤنس، إلا أنه حاول تدعيم موقفه ضد مُؤنس وأصحابه بإيجاد حليف جديد له، تمثل ذلك بشخص مُحمَّد بن ياقوت صاحب الشُّرطة.[140] ومع أن المُقتدر فضَّل إبقاء الأمور بتوازن مع مُؤنس قدر الإمكان، إلا أن العلاقة بين الطرفين كانت تتفاقم من جديد، وكانت هذه المرة سببها الوزير الحسين بن القاسم، والذي كان على علاقة سيئة جدًا مع مُؤنس، فطلب الأخير من الخليفة عزل الوزير ومصادرة أملاكه، فأجاب المُقتدر إلى عزله وأمره بلزوم بيته، إلا أنه لم يُصادر أملاكه، فلم يُرضي مُؤنس بذلك. لم يسكت الوزير الحُسين عن مُحاولات مُؤنس لإقالته، وأخبر الخليفة أن مُؤنسًا يريد أخذ ابنه أبي العبَّاس نحو الشَّام وأخذ البيعة له، وكتب الوزير ابن القاسم إلى ابن الخال بالقدوم من حرب مرداويج الزياري، وأرسل نفس الطلب إلى مُحمَّد بن ياقوت (والذي يُعتبر الرجُل الثاني بعد مُؤنس وبينهما مُنافسة)، في مسعى واضح لجلب أكبر عدد من المُعارضين لنُفوذ مُؤنس، فاستشعر الأخير حجم المُؤامرة عليه.[141][142][143]
لم يصمت مُؤنس أمام هذه التحرُّكات، وقرر التحرُّك نحو الموصل في مُحرَّم سنة 320هـ / فبراير 932م، وادَّعى أمام بني حمدان أن الخليفة ولَّاه الموصل وديار ربيعة، إلا أن الوزير الحُسين بن القاسم كان أسرع خطى منه، وكتب إلى الحمدانيين يأمرهم بمُحاربة مُؤنس وصده عن دخول الموصل.
كان لدى مؤنس ثمانمائة فارس حينما اقترب من الموصل، بينما شكَّل الحمدانيين جيشًا من ثلاثين ألفًا حسب بعض المُؤرخين، إلا أن مؤنس تمكن من الانتصار عليهم ودخل الموصل في 3 صفر 320هـ / 15 فبراير 932م، واستولى على أموال بني حمدان وديارهم، فأعجب بذلك العديد من الجنود، وخرج إليه كثير من عساكر بغداد، والشَّام، ومصر لانتصاراته المُتكررة من جهة، ولإحسانه إليهم من جهة أخرى، وبقي مُؤنس وأنصاره في الموصل تسعة شهور، حتى قرر الإنطلاق بالجيش نحو بغداد لعزل الخليفة المُقتدر بالله أو قتاله.[144][145][146][147]
خلع المُقتدر بالله ومقتله
[عدل]بعد اجتماع العديد من الجُند حول مُؤنس في الموصل، طلبوا منه السير إلى الخليفة لينصفهم ويجري أرزاقهم وإن رفض المُقتدر مجاراتهم يُقاتلوه، فتحرَّك مُؤنس على رأس الجيش نحو بغداد في شوَّال 320هـ / أكتوبر 932 م بعد تسعة شهورٍ من الإقامة فيها، فلما بلغ خبره جند العاصمة بغداد، شغبوا وطلبوا أرزاقهم، ففرَّق الخليفة فيهم أموالًا كثيرة إلا أنه لم يُشبع احتياجاتهم. ومن ضمن التحرُّكات المُقتدريَّة، وجَّه أبُو العلاء سعيد بن حمدان التَّغلُبي على رأس خيلٍ كثيرة نحو سُرَّ من رأى، وتوجَّه أبُو بكر مُحمَّد بن ياقوت على رأس ألفي فارس، ومعه الغُلمان الحجريَّة إلى منطقة المعشوق. وصلت طلائع جيش مُؤنس إلى تكريت فحصل اضطراب لدى قوات ابن ياقوت، فتسللوا من المعسكر وهربوا نحو بغداد، ما جعل ابن ياقوت يتوجه نحو عكبرا، ولم يصطدم جيش ابن حمدان معه، لينزل مُؤنس وجيشه في الشَّمَّاسيَّة شمال بغداد، وحاول المُقتدر مع ابن خاله، هارون بن غريب للخروج فلم يفعل وقال له:«أخاف من عسكري، فإن بعضهم أصحاب مُؤنس، وبعضهم قد انهزم أمس من مرداويج، فأخاف أن يسلموني وينهزموا عني». أرسل المُقتدر إلى وزيره يطلب استشارته، فأشار عليه بتفريق الأموال منه ومن مُمتلكات والدته السَّيدة شغب ليرضي الجُند، إلا أنه قال: «لم يبق لي ولا لوالدتي جهة شيء». حاول المُقتدر الذهاب إلى واسط ومُكاتبة العساكر المُتواجدين في البصرة، والأهواز، وفارس وغيرها وأن يترك بغداد مُؤقتًا لمُؤنس حتى يقوى أمره مع جيشٍ كبير، إلا أن مُحمَّد بن ياقوت رده عن ذلك بفكرة غير حكيمة، وشجَّعه على لقاء مُؤنس، وأنهم متى ما رآه جيش مُؤنس عادوا جميعهم إليه، فقبل قوله وهو كارهٌ غير مُطمئن.[144][146][148]
خرج الخليفة جعفر المُقتدر بالله على رأس بعض الجند، ومعه الفُقهاء والقُرَّاء ومعهم المصاحف مشهورة، وعليه البردة النبويَّة، فوقف على خيله في تل عالٍ بعيد عن المعركة، وبدأ من معه يشيرون عليه بالتقدُّم وهو لا يريد ذلك، فألحوا عليه، فرغَّب من معه بأن وعدهم قائلًا من جاءه بأسير فله عشرة دنانير، ومن جاء برأس فله خمسة دنانير، فلما تقدم المُقتدر بمن معه، ولم يكد الجمعان يلتحمان في المعركة، حتى انهزمت كتائب المُقتدر سريعًا وهرب أكثرهم عنه، فجاء رجُل يدعى علي بن بُليق،[144] وقيل علي بن يلبق،[146] وهو من أصحاب مُؤنس، فترجَّل من حصانه وقبَّل الأرض وقال للخليفة: «إلى أين تمضي؟ ارجع، فلعن الله من أشار عليك بالحُضور!»، فلم يعرف المُقتدر ما يفعل في هذا الموقف، وأراد الرُّجوع إلا أن أنصار مُؤنس أحاطوا بالمُقتدر، وكانوا من المغاربة والبربر، فتركه ابن بُليق وسار عنه، وشهر الجُند سيوفهم بهدف قتل المُقتدر، فقال لهم: «ويحكم أنا الخليفة!»، فقال بعضهم: «قد عرفناك يا سِفلة، أنت خليفة إبليس، تبذل في كل رأس خمسة دنانير، وفي كل أسير عشرة دنانير!» فبادره أحدهم بطعنة سيف على كتفيه فسقط إلى الأرض، واقترب آخرون وقتلوه وحزُّوا رأسه، ثم رفعوا رأسه على خشبة وهم يُكبرون ويلعنونه، وأخذوا جميع ما لديه ومنها البردة النبويَّة، والتي تلوَّثت بالدم، ليُترك جسده مُضرجًا بالدماء على الأرض، إلى أن مر به رجل من الأكرة، فستره وقرر حفر موضع له وعُفي قبره.[31][144][148][149] ويُروى أن الجندي الذي حز رأس المُقتدر، قد صاح الناس عليه، وفي أثناء سيره تعرَّض لوعكة، ثم اجتمع عليه الناس وأحرقوه بالحمل الشوك.[150]
كان مُؤنس في خلال هذه الأحداث في الرَّاشديَّة بعيدًا عن مجريات المعركة، فلما حُمل رأس المُقتدر إليه، بكى مُؤنس ولطم وجهه ورأسه وصاح بهم: «يا مُفسدون! ما هكذا أوصيتكم .. قتلتموه! وكان هذا آخر أمره .. والله لنُقتلنَّ كُلنا، وأقل ما في الأمر أنكم تظهرون أنكم قتلتموه خطأ»، وأرسل فورًا رجالًا لحماية دار الخليفة من النَّهب. وجد رجال مُؤنس أن عبد الواحد بن المُقتدر، وهارون بن غريب، ومُحمَّد بن ياقوت ومُحمَّد بن رائق قد لاذوا بالفرار نحو المدائن. ينتقد العالم والمُؤرخ ابن الأثير الجزري ما قام به مُؤنس وجنده في تحركاتهم وتمرُّدهم ضد منصب الخلافة وما فعله ضد الخليفة المُقتدر قائلًا: «وكان ما فعله مُؤنس سببًا لجرأة أصحاب الأطراف على الخُلفاء، وطمَّعهم فيما لم يكن يخطر لهم على بال، وانخرقت الهيبة وضعف أمر الخلافة حتى صار الأمر إلى ما نحكيه».[144][151][152] قُتل المُقتدر بالله في الشمَّاسيَّة يوم الأربعاء 28 شوَّال سنة 320هـ / 1 نوفمبر 932 م عن عمرٍ ناهز 38 سنة، وشهر واحد، و6 أيَّام حسب التقويم الهجري، بينما في التقويم الميلادي، كان عمره 36 سنة و11 شهر و18 يوم. في حين أن مدة خلافته كانت 24 سنة و11 شهر و16 يوم، وهو بذلك أطول الخُلفاء حُكمًا منذ الخلافة الرَّاشدة حتى زمنه.[6][144][148] ومن المُفارقات العجيبة، أن مقتل جعفر المُقتدر قد تكرر سابقًا مع جده الثالث جعفر المُتوكل، فقد قُتلا الإثنان في يوم الأربعاء في شهر شوَّال وعلى يد الجند.[149][153][154] رثاه ابنه الخليفة العشرون مُحمَّد الرَّاضي بالله قائلًا:[155]
ما بعد وفاته
[عدل]بعد مقتل الخليفة جعفر المُقتدر بالله، عظم قتله على مُؤنس وشعر بالذَّنب، ورأى تنصيب ابنه أبُو العبَّاس مُحمَّد بن المُقتدر، وعرض وجهة نظره قائلًا: «فإنه تربيتي وهو صبيٌ عاقل، وفيه دينٌ وكرم ووفاء بما يقول، فإذا جلس في الخلافة سمحت نفس جدته والدة المُقتدر وإخوته وغُلمان أبيه ببذل الأموال، ولم ينتطح في قتل المُقتدر عنزان»، إلا أن أبُو يعقوب إسحاق بن إسماعيل النُّوبختي عارض ذلك وقال: «بعد الكد والتعب استرحنا من خليفة له أم وخالة وخدم يدبرونه، فنعود إلى تلك الحال؟! والله لا نرضى إلا برجلٍ كامل يُدبر نفسه ويدبرنا»، فوافقه الرأي مُؤنس بعد تردد، وذكر له أبُو منصُور مُحمَّد بن المُعتضد، المعرُوف باسم القاهر بالله فأجابه مُؤنس إلى ذلك.[156]
يُعلق العالم والمُؤرخ ابن الأثير الجزري قائلًا على إرادة النُّوبختي: «وكان النُّوبختي في ذلك كالباحث عن حتفه بظلفه، فإن القاهر قتله».[144] ولم يكن مصير مُؤنس أفضل من النُّوبختي، فقد اعدم على يد القاهر بالله بعد سنة من مقتل المُقتدر، وتحديدًا في سنة 321هـ / 933م، وكان يبلغ من العمر 90 عامًا.[157] يرى بعض المُؤرخين أنه وبسبب هذا التحرُّك من مُؤنس، انحلَّت مؤسسات الدَّولة أمام قو�� وسطوة الجيش، فانخرقت هيبة الخلافة مما أطمع فيها القريب والبعيد، وفقد الخليفة مع الزَّمن سلطاته السياسيَّة لأمراء الجيش، حتى مجيء بنو بويه الشيعة الفُرس وسيطروا على بغداد في فترة خلافة عبد الله المُستكفي بن عليُّ المُكتفي جُمادى الأولى سنة 334هـ / ديسمبر 945م، فأصبح الخليفة مجرد رمزٌ ديني دون سُلطة منذ ذلك الحين.[158]
نفوذ السَّيدة شغب والقهرمانات
[عدل]سادت هيبة الخلافة في بعض فترات حكم المُقتدر بعد تسلمه زمام الحكم ووجود وزراء أقوياء مثل ابن الفُرات، ومُوسى بن عيسى، وقائد مُحنَّك مثل مُؤنس المُظفَّر، إلا أن عواملَ أخرى أدت لانحلال الخلافة تدريجيًا، منها دخول المرأة هذه الفترة في دائرة الحُكم والنُّفوذ بسبب صغر سن الخليفة، فساهمت المرأة مع الرجل في جميع مرافقها حتى وصلت إلى منصب القضاء، وعلى رأس النساء المُتنفذات هي السَّيدة شغب (والدة الخليفة المُقتدر)،[159] ومُرافقاتها المُتنفذات اللواتي عُرفن بالقهرمانات، مثل فاطمة، وبعدها أم موسى الهاشميَّة، والتي أصبحت تُساهم في تعيين وخلع الوزراء على رغبة سيدتها شغب قبل أن تُنكَّب في سنة 310هـ / 922م، بتهمة تدبير مُحاولة لخلع الخليفة المُقتدر وتعيين صهرها الأمير أبُو بكر من ذرية المُتوكِّل.[61][160][161] وثمل التي جلست في التربة التي بنتها في الرصافة لتولي مظالم الناس في كل جمعة، ليبرز توقيعها مع تواقيع أعيان القضاة والفُقهاء والأعيان، ومن بينهم القاضي أبُو الحسين بن الأشناني، في سنة 306هـ / 918م.[31][162][163] وزيدان التي امتلكت شبكة اتصالات مع العديد من المسؤولين وعملت كوسيط بينهم وبين المُقتدر، وغيرهن من القهرمانات المُتنفذات واللواتي يعملن بأوامر من سيدتهُن شغب، والتي ظهرت على المسرح السياسي بمظهر صاحبة النُّفوذ والسُّلطة والقُوَّة، وأخذت تتدخل في شؤون الدولة كبيرها وصغيرها، ومسكت بزمام الأمور بالتعاون مع قهرماناتها وجواريها، ولم تكتفي بحرمان المُقتدر من حق الحُكم لوحده، بل عملت على حرمانه من التعليم والتدريب على أصول الحُكم، ووصلت لدرجة أنها منعته من قراءة الكتب العلميَّة التثقيفيَّة بهدف إبقائه تحت هيمنتها وإبقائه ضعيفًا غير مُلمًا بشؤون الخلافة.[163][164]
التنكيل بالوزراء ومصادرة الأملاك
[عدل]كان للسَّيدة شغب دورٌ كبير في تعيين الوزراء والكُتَّاب والقادة إضافة إلى عزلهم وحبسهم ومُصادرة أملاكهم وأموالهم حتى الفتك بهم، وللوزير ابن الفُرات نصيبًا من تسلُّطها، فقد جاء لمنصب الوزارة ثلاث مرَّات، وفي كل مرة يتعرَّض للحبس والمُصادرة بعد عزله، وساهمت في تعيين مُحمَّد بن عبيد الله بن يحيى الخاقاني بعد أن ضمن لها 100 ألف دينار إن أصبح وزيرًا، فعملت على ذلك بعد أن أخرجت ابن الفُرات وجرى حبسه ونهب داره ودور أهله.[165][166]
ولم يكُن حظ عليُّ بن عيسى بن الجرَّاح بأفضل حالًا من سابقيه، وهو الذي يعتبر من أعف وأثقف وزراء المُقتدر، فقد عزله لكونه نائمًا ولم يرض بإيقاظه من حاشيته، مما جعل القهرمانة أم مُوسى الهامشيَّة تنقل الخبر إلى المُقتدر وكانت والدته شغب جالسة معه، فقرر عزله وحبسه، لتكون ضربة للوزير والوزارة نفسها.[167]
كان السبب في نكبة الوزراء من قبلها، هو حبها الشَّديد للمال لتستعمله في تنفيذ أهدافها السياسية، فجمعت مالًا كثيرًا من نقود ومجوهرات ورياش وملابس وغيرها من وراء ذلك، حتى أنها طلبت من القاضي ابن بهلول أن يعطيها من أموال الوقف المسؤول عليها، فرفض بشدة.[46] وعلى الرُّغم من أنها كانت تنفق الكثير من الأموال على الحُجَّاج في طعامهم وشرابهم والأطباء المرافقين لهم وإصلاح الطرقات،[159] إلا أنها أصبحت موضع اعتماد الدَّولة عليها عند الحاجة نتيجة امتلاء خزائنها، ففي سنة 307هـ / 920م، قدمت من مالها المُدَّخر 500 ألف دينارًا لتُنفق في الحرب ضد القرامطة. أخرجت السَّيدة الأموال لإعادة ابنها المُقتدر للخلافة بعد انقلاب ابن المُعتز خلال يومين في سنة 296هـ / 909م.[46] وعلى الرُّغم من هيمنتها ونفوذها، فقد كان المُقتدر في هذه الأحوال شديد الاستماع والاحترام لأمه شغب، ومن شدة احترامه أنه إذا دخلت عليه ورآها، يقوم لها ويُعانقها ويُقبل رأسها ويجلسها معه في عرش خلافته، ويأخذ بمشورتها في أمور السياسة والحكم، وهي من حذرت ابنها يومًا من الوزير ابن الفُرات لمحاولاته إبعاد مُؤنس عنه، وقد يُفهم من ذلك أنها كانت مُؤيدة لمُؤنس، إلا أنها كانت السبب الحقيقي في إشعال الفتنة بين ابنها المُقتدر ومُؤنس، بعد أن كان الأخير من أشد الناس إخلاصًا لسيده الخليفة، فقد كان لها اليد الطُّولى لمحاولة قتل مُؤنس في سنة 315هـ / 927م، والذي أدى لتغيُّر قلب مُؤنس تجاه الخليفة لاحقًا وتكررت الحوادث، حتى تفاقم الأمر بالنسبة لمُؤنس، والتي أدت في النهاية لمُحاربته الخليفة على مراحل.[168]
نهاية نُفوذها مع نهاية المُقتدر
[عدل]في الفترة الأخيرة من عهد المُقتدر، حينما أصابته الحرب الأخيرة ضد مُؤنس المُظفَّر، جاء المُقتدر إلى والدته شغب وطلب منها المال بسبب قلة المال لديه، كي يعينه في حشد جيش كبير ضده، إلا أنها ذكَّرته قائلة: «قد أخذت مني يوم سار القرمطي إلى بغداد ثلاثة آلاف ألف دينار، وما بقيت لي بعدها ذخيرة إلا ما ترى»، وأرسلت تأتي إليه بخمسين ألف دينار، فقال المُقتدر:«وأي شيء تغني عني هذه الدنانير وأي مقام تقوم لي هذه الخمسون ألفًا في عظيم ما استقبله؟!»، ثم تركها وقال لها في الأخير: «أما أنا فخارجٌ كيف كنت وعلى ما استطعت ولعلي أُقتل واستريح، ولكن الشأن في من يبقى بعد» ليُقتل الخليفة المُقتدر في سنة 320هـ / 932م. تُعلق الأستاذة الجامعيَّة العراقيَّة مليحة رحمة الله، على موقف السَّيدة شغب في عدم منح المُقتدر المال الكافي، قائلة: «وكان لسوء تصرُّفها هذه قد عرَّضت ابنها للقتل بالصُّورة الشنيعة التي يصفها المُؤرخون، كما كان حرصها للمال سببًا في تعرُّضها للتعذيب والإهانة من الخليفة القاهر بالله الذي أراد أن يثأر لنفسه»، في إشارة إلى قيام الخليفة القاهر لاحقًا بتعذيب السَّيدة شغب في سبيل الاعتراف بما تمتلكه، إلا أنها شهدت على نفسها لدى القُضاة والعدول بأنها حلَّت أوقافها ووكَّلت ببيعها، ومن ثم تُركت. تختم رحمة الله حول نهاية قصة السَّيدة شغب قائلة: «وبهذه الصُّورة انتهت حياة السَّيدة أم المُقتدر وهي من كبريات نساء بني العبَّاس في العصر الثاني، والتي انفردت بنفوذها الواسع وسطوتها لأطول فترة عرفتها المرأة العبَّاسيَّة والتي قاربت الثلاثين سنة خلال الحُكم العبَّاسي».[169] توفيت السَّيدة شغب بعد مقتل ابنها المُقتدر بسبعة أشهر في جُمادى الأولى سنة 321هـ / مايو 933م، ويقول المُؤرخ الأندلسي ابن دحية الكلبي في ختام حكايتها: «ولم يكن لامرأة من الخير ما كان لزبيدة ولها، وكانت مواظبة على صلاح الحاج، وإنفاذ خزانة الطيب والأشربة إلى الحرمين المُعظمين».[170]
الأوضاع الاقتصاديَّة
[عدل]تحسين المعيشة في أول خلافته
[عدل]استفتح الخليفة المُقتدر خلافته سنة 295هـ / 908م، بإعادة الرُّسوم والضرائب ورسوم الأضاحي إلى ما كانت عليه في أول خلافة بني العبَّاس، فخفَّف على الناس الضَّرائب.[171] ولتظلَّم أهل فارس من ضريبة تُدعى التكملة، قرر المُقتدر عقد مجلسًا خاصًا يضم عددًا من الفُقهاء وكبار موظفي الدولة لمناقشة الأمر، فأصدر الفقهاء فتوى بإلغائها لتخفيف العبء والمُعاناة عنهم.[172] قام المُقتدر في سنة 311هـ / 923م، بإصدار قرار يهدف إلى رد الحقوق، والذي يقضي برد تركة من مات من أهل الذمة ولم يكن له وريث إلى أهل ملته، وليس إلى بيت مال المُسلمين عملًا بحديثٍ للنبي مُحمَّد: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم». فصرف بذلك جميع عُمَّال المواريث في سائر البلاد، بهدف إعادة النظر في أعمال المواريث التي سنت في عهد عمهِ أحمد المُعتمد على الله.[172]
رفع المُقتدر في أرزاق بني هاشم من دينار إلى دينارين.[173][174] أطلق الخليفة سراح المساجين ممن يجوز إطلاقهم ولا خصم لهم، بعد أن وكَّل القاضي أبُو عمر مُحمَّد بن يُوسف للنظر في أمرهم. أمر المُقتدر بهدم أبنية في الرَّحبة أو رحبة الطاق كان عائدها نحو ألف دينار شهريًا لإضرارها بالضُّعفاء الذين يسترزقون فيها لتجارتهم بلا أجرة، وبهدف توسيع الطرقات، ونقل عن المُقتدر قوله في مسألة إزالة الرحبة: «ما مقدار هذا في صلاح المسلمين واستجلاب حسن دعائهم».[171][173][174][175] في عهد وزارة ابن الجرَّاح، عمل الوزير بعمارة المساجد والجوامع وتبييضها وفرشها بالحصر، بالإضافة إلى إشعال الأضواء فيها، وأجرى المعاشات للأئمَّة، والقُرَّاء، والمُؤذنين.[174][176]
تردي الأوضاع الاقتصاديَّة
[عدل]كانت الأوضاع الاقتصاديَّة جيدة بعض الشيء في أوائل عهد المُقتدر، إلا أنه منذ سنة 308هـ / 920م، كانت تزداد سوءًا بسبب وجود إدارات سيئة تزامنت مع هجمات القرامطة على جنوب العراق، فكان لوزارة الخاقاني، وحامد بن العبَّاس، والخُصيبي وغيرهم، الحمل الأكبر في تحمُّل مسؤولية تفاقم الأوضاع بسبب إهمالهم وجهلهم لإدارة السياسات العامة والماليَّة في البلاد.[177] وزاد من ذلك استئثار الخليفة ووالدته للأموال ما أضعف خزينة الدَّولة. ومن الأحداث التي تُبين وجود الضعف الاقتصادي، أن عمَّ الغلاء في مناطق السَّواد بسبب احتكار الوزير حامد بن العبَّاس للحبوب، وأخَّر أرزاق الناس وأسقط بعضها، مما سبَّب تذمُّر وسخط عام.[88][132] تمكن المُقتدر من حلَّ مشكلة الحبوب، إلا أن الأمور تفاقمت شيئًا فشيئًا بسبب وجود التزكيات والرشاوي في الوزارة، وبقيت الأمور سيئة حتى مقتل المُقتدر في 28 شوَّال سنة 317هـ / 1 نوفمبر 932م.[88][177]
إصلاح شؤون مكة
[عدل]أوقف الخليفة المُقتدر في أول سنة من حُكمه، أموالًا جزيلة ووزع ضياعًا على الحرمين الشَّريفين واستدعى القُضاة والأعيان وأشهدهم على نفسه بما أوقفه.[178][179] أجرى المُقتدر بعض الترميمات والتوسيعات في المسجد الحرام.[180] وبسبب شح الماء في مكَّة، كان أصحاب السُّلطان يُسخِّرون جِمال الناس وحميرهم لجلب الماء من جدة�� اشترى الوزير ابن الجرَّاح عددًا منهم، وأقام هذه الجِمال على حمل الماء وجهز لها العلوفة، وحفر بئرًا سُميت الجرَّاحية، وشرى بئرًا آخرًا بألف دينار حتى كثر الماء.[181]
إصلاح البيمارستانات وبنائها
[عدل]في فترة وزارة ابن الجرَّاح، أجرى الإصلاحات في البيمارستانات المُنتشرة في العاصمة بغداد، وحرص الوزير على جلب الأدوية إلى المرضى التي قرَّرها الأطباء في سنة 300هـ / 915م، وقرَّر بناء بيمارستان في منطقة الحربيَّة التابعة للعاصمة، وأنفق عليها أموالًا جزيلة لخدمة الناس في نفس السنة.[118][176] وفي الأوَّل من مُحرَّم سنة 303هـ / 15 يونيو 918م، افتُتح البيمارستان الذي بنته السَّيدة شغب، وعُيَّن فيه الطبيب سنان بن ثابت رئيسًا للأطباء، وكانت النَّفقة الشهريَّة للبيمارستان تبلغ ستمائة دينار. أشار الطَّبيب ابن ثابت على الخليفة ببناء مارستان آخر في باب الشَّام غرب بغداد، فوافق وبدأ العمل به،[70][182] واستكمل بناؤه في سنة 306هـ / 918م، وسُمي بالبيمارستان المُقتدري وخصص له نفقةً شهريَّة بلغ نحو 200 دينار.[183][184] أظهر الوزير ابن الجرَّاح اعتناءً في صحة الناس، فأمر الأطباء بالتنقُّل في أرض السَّواد، لمُعالجة أهاليها في القُرى ذات الأوبئة الكثيرة والأمراض المُتفشيَّة.[80] وينسب لعهد المُقتدر ابتداء نظام امتحان الأطباء ومنحهم شهادات لممارسة المهنة، بعد وفاة أحد الأشخاص نتيجة خطأ طبي، فأمر المُقتدر كبير الأطباء سنان بن ثابت بإيقاف جميع الأطباء عن العمل وامتحانهم، ثم لا يُسمح لمن لم يحُز الشهادة بعلاج الناس.[62]
سياسته الداخليَّة
[عدل]الوزارة
[عدل]تعاقب العديد من الوزراء خلال فترة المُقتدر بالله التي امتدت لنحو 25 عامًا، وبات العبء الأكبر في تنظيم الناحية المالية للدولة، وتأمين نفقات دار الخلافة والجند والموظفين والخدم والحرم والحشم، يقع على عاتق الوزير أساسًا وكُتاب الدواوين معه.[185] سارت الدَّولة منذ خلافة أحمد المُعتضد بالله على سياسة الضَّمان، أي أن يضمن الوزير أنه سيحمل مبلغ سنوي لبيت المال، وذلك لتأمين النفقات والحاجات الأساسيَّة في البلاد.[186] يجدر الإشارة إلى أن بيت المال المقصود ينقسم إلى قسمين، بيت المال العام، والذي يُعد الخزينة الرَّسميَّة للخلافة، والتي يديرها الوزير، بينما بيت مال الخاصَّة هو بيت مال الخليفة، وهي مؤسسة مستقلة لها مواردها ومصروفاتها، وتُشكل خزينة احتياطيَّة يلجأ إليها الوزراء في حالات الطوارئ والعجز المالي.[187] تراجع شأن الوزارة وفقدت هيبتها ونفوذها لعدة أسباب، ومنها الأزمات الماليَّة المُتلاحقة، وشغب الجُند، وأن الوزراء أنفسهم لعبوًا دورًا في زعزعة المنصب بسبب تحاسدهم وتآمرهم ضد بعض، مما فتح المجال للجيش يزيد من نفوذه، فأخذت المؤسسة الإداريَّة تفقد تأثير مع مرور الزمن في توجيه الدَّولة.[188]
العبَّاس بن الحسن
[عدل]استوزر العبَّاس بن الحسن في عهد الخليفة المُكتفي بالله، وثبَّته المُقتدر بعد خلافته في سنة 295هـ / 908م. ومنذ لك الحين، تمتَّع الوزير عمليًا بصلاحيَّات واسعة، ويبدو أن تفرُّده بالأمور، بالإضافة إلى تجبُّره على القادة والكُتَّاب قد أكسبه أعداء، وزاد من ضغينتهم نحوه، أنه قرَّب فاتك المُعتضدي.[189] عُرف الوزير بالدهاء والمكر والأدب، إلا أنه كان ضعيفًا في الحساب، ولم تكن سيرته محمودة، ولا أيام وزارته مُستقرة، فقد واجه ضغوط وتردُّد بشأن صغر سن المُقتدر، وأراد خلعه من أجل ابن المُعتز ومن ثم تردَّد في تنفيذ ذلك، ليقتله أنصار ابن المُعتز في يوم الانقلاب، أي بعد أربعة شهور من تثبيته في الوزارة.[190]
ابن الفُرات
[عدل]تولَّى أبُو الحسن عليُّ بن مُحمَّد بن فُرات الوزارة بعد مقتل العبَّاس بن الحسن في سنة 295هـ / 908م، ليصبح أحد أهم الوزراء في خلافة المُقتدر، بعد أن أثبت ولاؤه للخليفة المُقتدر في تلك المحنة، وأنه من رشَّح المُقتدر للخلافة، فكانت أيام وزارته الأولى مُستقرَّة وتحسَّنت ظروف الناس في هذه الفترة نسبيًا.[49][191] إلا أن الأمور تغيَّرت لابن الفُرات بعد قرابة أربعة سنوات من استوزاره، وتروي المصادر المُتعددة، أنه جمع الأموال لنفسه، فمن حصوله على 700 ألف دينار من مال البيعة بعد فتنة ابن المُعتز، إلى أن اقتطع مليون دينار لنفسه، وحينما علم كاتبه على ديوان بيت المال بذلك، اشترى ابن الفُرات سكوته بمائة ألف دينار.[192] وبسبب تلك التُّهم، قُبض عليه في ذو الحجَّة سنة 299هـ / يوليو 912م، ونُكل بأهله، ونُهبت أمواله ودور أصحابه، فضجَّت بغداد وافتتنت للقبض عليه دون سببٍ مُعلن، إلا أن حالهم هدأت بعد ثلاثة أيام.[63]
أمضى ابن الفُرات خمس سنوات في السَّجن بعد أن نُكِّب، إلا أن الخليفة المُقتدر كان يُشاوره في الأمور بين حينٍ وآخر حتى قرر إطلاق سراحه وإعادة استوزاره.[193][194] تولى ابن الفُرات الوزارة بعد ابن الجرَّاح في ذو الحجَّة سنة 304هـ / يونيو 917م، بعد أن ضمن على نفسه حمل 1500 دينار إلى بيت المال، واستهل فترته بالقبض على أصحاب ابن الجرَّاح، والخاقاني وأصحابه، وصادر منهم أموال عظيمة، وقرَّب إليه ابن مُقلة.[195] علم المُقتدر من مصادره أن له ودائع بنحو ثلاثة ملايين دينار، وأن ابن الفُرات يحتال باستخراج هذه الأموال بتوقيعات مزورة عن المُقتدر والقهرمانات،[192] فأمر بالقبض عليه في جُمادى الآخرة سنة 306هـ / نوفمبر 918 م ثم استوزر من بعده حامد بن العبَّاس.[196]
عاد ابن الفُرات للوزارة للمرة الثَّالثة والأخيرة في ربيع الآخر سنة 311هـ / أغسطس 923م،[197] كانت الأحداث في هذه الفترة قد ازدادت سوءًا على الوزير ابن الفُرات واختلفت سيرته مُقارنة بوزارته الأولى والثانية، فقد ظهر القرامطة الإسماعيليين وعاثوا فسادًا في غارَّاتهم كثيرًا، وخاصةً في أعقاب الإغارة على قافلة الحجَّاج في منطقة الهبير سنة 312هـ / 924م، وفيها أعدادًا كبيرة من البغداديين الذين قُتلوا وسبوا، فغضب أهاليهم في بغداد، وكسروا المنابر، وسوَّدوا المحاريب في السَّادس من صفر / 14 مايو، حزنًا لما جرى لهم.[88]
ضعفت نفس الوزير ونقم النَّاس عليه، واستدعاه المُقتدر ليُحاججه، وبدأ نصر الحاجب يُطلق سيل الاتهامات على ابن الفُرات، ومنها أنه شيعي مُتعاطف مع القرامطة، وأن خطته في إبعاد مُؤنس كان جزءًا من خطته المرسومة، فحلف الأخير أنه ما كاتب القرمطي ولا هاداه، والمُقتدر في هذه الأثناء صامت ومُعرضٌ عنه، ولم يعزله حينها.[88] ألقي القبض عليه بسبب غضب عامَّة أهالي بغداد والضغوط حول الخليفة، مع أن الأخير كان مُكرهًا لتسليمه. أُعدم ابن الفُرات في السجن 17 ربيع الآخر سنة 312هـ / 23 يوليو 924م.[198]
أبو علي الخاقاني
[عدل]تولَّى أبُو علي مُحمَّد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان، للوزارة بعد أن قُبض على الوزير ابن الفُرات في ذو الحجَّة سنة 299هـ / يوليو 912م، وسعى في ذلك من ماله الخاص بعد أن قام برشوة أم موسى القهرمانة وضمن 100 ألف دينار للسَّيدة شغب، ويصفه المُؤرخ ابن الطقطقي بأنه كان سيء السيرة والتدبير، وكثير التولية والعزل، حتى أنه ولَّى في يومٍ واحد 19 ناظرًا للكوفة، وأخذ من كل واحد رشوة، وهجاه الشُّعراء لتخبُّط قراراته.[63][165][199] كره المُقتدر ترشيحه للوزارة، ورغب باستوزار الحسين بن أحمد الماذرائي، إلا أن نصر الحاجب، وثمل القهرمانة، ومُؤنس المُظفَّر تدخلوا للحيلولة دون ذلك.[200] بدأت الشَّكاوي تظهر لدى الخليفة المُقتدر، واستشعر الفساد النَّاجم عن سوء تدبير الخاقاني، ورأى أن الوضع يُحتم عزله وإعادة ابن الفُرات للوزارة، إلا أن مُؤنس كان يكرهه، وبيَّن للخليفة عددًا من الاتهامات على ابن الفُرات، واقترح عليه تولية ابن الجرَّاح، ليتحقق في مُحرَّم سنة 301هـ / أغسطس 913 م ليُعزَل الخاقاني عن منصبه.[176][201]
ابن الجرَّاح
[عدل]عُرف عليُّ بن عيسى بن الجرَّاح، والمعرُوف اختصارًا بابن الجرَّاح، بأنه كان شيخ الكُتَّاب، وفاضلًا مُتدينًا، وورعًا مُتزهدًا، بل ويُعتبر من أفضل وزراء المُقتدر.[202] استوزر في مُحرَّم سنة 301هـ / أغسطس 913م، بعد عزل الخاقاني والقبض عليه، إلا أن ابن الجرَّاح أحسن قبضه، ووسَّع عليه. نهض ابن الجرَّاح بالوزارة وقام بها خير قيام، فضبط الدواوين والأعمال وقرَّر القواعد، وردَّ المظالم لأهلها، وأطلق من المكوس شيئًا كثيرًا في مكَّة وفارس، وله العديد من الإنجازات الأخرى.[176] رأى ابن الجرَّاح وجود خلل في ميزانيَّة الدَّولة، فأخذ بمتابعة الأمور بنفسه، ويصل دار الوزارة فجرًا ويبقى فيها حتى صلاة العشاء يوميًا.[203] تروي المصادر أنه كان محمود السيرة في فترة وزارته، ويسير على نهج مُشاورة الخليفة في كل أمور الدَّولة، ولا ينفرد دونه برأي.[201] عزله المُقتدر وقبض عليه في الثَّامن من ذو القعدة سنة 304هـ / 3 مايو 917م، واستبدله بابن الفُرات، بعد أن حرَّضت عليه أم موسى القهرمانة، ولم يتعرَّض لأملاكه.[70][167][195][204]
أُعيد ابن الجرَّاح للوزارة في مُحرَّم سنة 315هـ / مارس 927م، وبدأ ينظر بالأعمال ليلًا ونهارًا لإصلاح المفاسد والتراكمات التي خلَّفها الوزراء السَّابق، واستعان بالعُمَّال المهرة، فعمل على إسقاط أسماء من لا يحمل السِّلاح من الجُند، وأسقط أرزاق الكُتَّاب الذين يحضرون ولا يعملون، فقد كان عليه أن يوفر رزق الجُند البالغة تكاليفهم السنويَّة 80 ألف دينار، ولرجال القائد المُتنفذ مُؤنس، وبلغت تكلفتهم 600 ألف دينار، ما أخلَّ بميزانيَّة الدَّولة. ومع أن ابن الجرَّاح رفض استلام معاشٍ له جراء عمله وزيرًا، إلا أنه هاله اختلال الدَّولة وتدهورها المالي في عهد الخاقاني والخُصيبي، وما زاد من الأمور سوءًا أن الجند شغبوا بعد عودتهم من حربهم ضد القرامطة، ما اضطَّر المُقتدر لزيادتهم 240 ألف دينار في السنة، بالإضافة إلى كثرة نفقات الخدم والحرم، فلم يتمكن من مُجاراة الوضع الصعب في الدولة، ما جعل الخليفة يقبض عليه في منتصف ربيع الأوَّل سنة 316هـ / أوائل مايو 928م.[205]
حامد بن العبَّاس
[عدل]بعد القبض على الوزير ابن الفُرات في جُمادى الآخرة سنة 306هـ / مايو 919م، عُين حامد بن العبَّاس خلفًا له في الوزارة، ولكن ظهرت قلة خبرته في شؤون الدَّولة، فأطلق المُقتدر، سراح ابن الجرَّاح من الحبس وعيَّنه شبه نائبًا لحامد، فكان الأخير يُراجع ابن الجرَّاح في الأمور، ويختم على رأيه، حتى لم يبق لحامد سوى اسم الوزارة، حتى قيل فيهما:[71]
وبسبب كثرة الانتقادات على أدائه، قرر تحدي ابن الجرَّاح، وضمن للخليفة مبلغًا كبيرًا وصل 400 ألف دينار، فوافق الخليفة وأمر ابن الجرَّاح بأن يقتصر النظر على النفقات، ويدع حامدًا يُجبي الأموال وينظر في نواحيه.[206][207] ظهرت الآثار السَّلبيَّة لضمان حامد في سنة 308هـ / 921م، فغلت الأسعار إلى الحد الذي ثار بسببه العامَّة وانضم إليهم الجُند، بسبب احتكاره للحبوب ومنعه استيرادها من مناطق أخرى، فاضطَّر المُقتدر أن يفتح مخازن الحبوب التابعة لوالدته وحامد والأمراء، لتُباع الحبوب بسعرٍ مُخفَّض، وحينها، زاد من نفوذ ابن الجرَّاح، لكون الأخير استعفى تنصيبه وزيرًا بديلًا عن حامد، حتى قرر المُقتدر إقالته في ربيع الآخر سنة 311هـ / يوليو 923م.[177]
وزراء آخرون
[عدل]تولَّى العديد من الأشخاص الوزارة في عهد الخليفة المُقتدر بالله، منهم أحمد بن عبيد الله الخُصيبي، وذلك في شهر رمضان سنة 313هـ / ديسمبر 925م، فأهمل فيها أعمال الوزارة إهمالًا كبيرًا بسبب ضعف الدَّولة، وعجزه عن إصلاح شؤون البلاد الماليَّة بعد ما أحدث الخاقاني ما أحدثه من سوء تدبير وإدارة، وبسبب ذلك، عزل الخُصيبي في ذي القعدة سنة 314هـ / يناير 927م، ليتولَّى ابن الجرَّاح الوزارة الثانية له من بعده.[208] لم تطل وزارة ابن الجرَّاح الثانية، فقد عُزل وعُين بدلًا منه أبا علي بن مُقلَّة في منتصف ربيع الأوَّل سنة 316هـ / أوائل مايو 928م، وفي عهده ظهر أبُو عبد الله البريدي وإخوته وزاد نفوذهم، فولَّاهم أعمال الأهواز وما يجري معها.[209] في عهد ابن مُقلَّة، خُلع المُقتدر للمرة الأولى، ولمدة يومين في مُحرَّم سنة 317هـ / أوائل مارس 929م، ما أثار اضطَّرابات ونزاعات، فثبَّت مُؤنس ابن مُقلَّة على الوزارة حينئذ.[136]
عُزل ابن مقلَّة أخيرًا في أواخر جُمادى الأولى سنة 318هـ / أواخر يونيو 930م، بسبب ميوله إلى مُؤنس، وعيَّن بدلًا منه سُليمان بن الحسن بعد رفض مُؤنس تعيين الحُسين بن القاسم.[139] لم يتمكن سُليمان بن الحسن من إصلاح الأوضاع التي تفاقمت ماليًا، فأوقف وظائف السُّلطان، وكثرت عليه المُطالبات، حتى قرر المُقتدر عزله في 28 رجب سنة 319هـ / 17 أغسطس 931م، ومع أن المُقتدر كان شديد الإرادة لتولية الحُسين بن القاسم الحارثي، إلا أن مُؤنس رفض من جديد وأشار للمُقتدر بتعيين أبُو القاسم الكلوذاني، فاضطَّر المُقتدر لتعيينه.[210] لم تطل مدة الكلوذاني بسبب احتياجه لمبلغٍ كبير لتغطية نفقات الدَّولة، فقد بلغ 700 ألف دينار، واستعظم المُقتدر لضخامة المبلغ، في حين أن الحُسين بن القاسم، قد ضمن للخليفة عدم مطالبته بشيء من بيت المال الخاص، وأنه سيستخرج مليون دينار لبيت المال بطرقه، فاستقال الكلوذاني، ومضى ابن القاسم إلى مُؤنس وقدَّم له المال ليقبله، فأجابه مُؤنس ورضي عن وزارته.[211] لم يُجلب ضمان ابن القاسم ووجوده للخليفة سوى المتاعب الإضافيَّة، فقد ضاقت عليه الأموال، وكثرت المطالبات للأرزاق، فقُبض عليه في ربيع الآخر سنة 320هـ / منتصف يونيو 932م، تزامنًا مع مسير مُؤنس نحو الموصل بهدف عزل المُقتدر. استوزر المُقتدر في هذه الأثناء، أبُو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات، ليكون آخر وزراء المُقتدر، ولم يُعرف له سيرة مأثورة، فلم تطل أيام وزارته حتى قُتل المُقتدر في 28 شوَّال سنة 320هـ / 1 نوفمبر 932م.[146][212]
استبعاد اليهود والنَّصارى من الدواوين
[عدل]تروي المصادر المُختلفة، أن المُقتدر بالله، انزعج من ازدياد نفوذ الكُتَّاب النَّصارى منذ وزارة العبَّاس بن الحسن، فأصدر قرارًا في سنة 296هـ / 908م، بإبعادهم من الكتابة والدواوين، والاقتصار على استخدامهم في الطُّب والجهابذة، إلا أن هذا القرار لم يُطبق عمليًا، فقد كان أهم كُتاب الوزير ابن الفُرات هما ابني جبير النًّصرانيين، والذين أثبتا كفاءتهما في مختلف وزاراته. وزاد أن ألزمهم بأن يكون لباسهم من اللون العسلي، وبوضع رقاع بين أظهرهم ليُعرفوا بها.[42][180]
سياسته الخارجيَّة
[عدل]العلاقة مع الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة
[عدل]كانت العلاقة بين الخلافة العبَّاسيَّة والإمبراطوريَّة البيزنطيَّة على حالها المُستمر في القتال والغارَّات الصَّيفيَّة السنويَّة المتبادلة منذ أمدٍ بعيد، وفي في أول خلافة عليُّ المُكتفي بالله، وردت أنباء اكتمال فتح كامل جزيرة صقليَّة بعد قرنٍ من الزَّمان على يد الأغالبة التابعين للخلافة في سنة 289هـ / 902 م.[213] قام الرُّوم بشن غارَّات كبيرة في مناطق الثُّغور الحدوديَّة مع الخلافة سنة 291هـ / 904م، مما جعل المُكتفي يُرسل جيشًا تمكَّن من فتح أنطاكية، والوصول إلى قونية وهدم سُورها وتخريبها في سنة 294هـ / 907م، ما اضطَّر الملك ليو السَّادس إلى طلب الصُّلح، وتبادل الأسرى مع دولة الخلافة.[214] بعد تسلُّم المُقتدر بالله للخلافة، استمرَّت الغارَّات بين الطرفين على عادتها، غير أنه في سنة 303هـ / 915م، استغل الرُّوم تمرُّد الحُسين بن حمدان على الخلافة واستنزاف الجيش العبَّاسي، فهاجموا حصن منصُور وسبوا من كان فيه، وأوقعوا بالمُسلمين في طرسوس، وعاثوا فسادًا في مرعش. ردَّت الخلافة في العام التالي، بأن أرسل الخليفة قائده الأهم مُؤنس المُظفَّر بحملةٍ كبيرة انتهت بفتح ملطية وعدة حُصون أخرى، اضطَّر الرُّوم على اثر ذلك بطلب هدنة في سنة 305هـ / 917م.[215]
بسبب انشغال الخلافة العبَّاسيَّة في صراعها ضد القرامطة الإسماعيليين، والذين أغاروا على جنوب العراق من سنة 311 حتى 314هـ / 923 حتى 926م، أصبحت جبهة الثُّغور عرضة للتهديدات الرُّوميَّة بسبب عجز الخليفة المُقتدر عن إرسال الإمدادات لأهلها من الرجال والعتاد أمام المخاطر القريبة من العاصمة بغداد. وفي أثناء تلك الفترة، انتهى الملك قسطنطين السَّابع بحملةٍ شرسة على أبواب عاصمته القسطنطينيَّة شنَّها البلغار في سنة 312هـ / 924م، وعلى الرُّغم من أن سمعان الأوَّل ملك بلغاريا قد استنجد بالخلافة لمُساعدته في حصار القسطنطينيَّة من الجهة الآسيويَّة أو من خلال البحر، إلا أنه لم يلق ردًا بسبب انشغال الخلافة في صراعاتها الدَّاخليَّة والقريبة من العاصمة بغداد مثل القرامطة، فأرسل سمعان الأول طلبًا للصَّلح إلى الرُّوم على مضض، وتم ذلك.[215][216]
وجَّه قسطنطين السَّابع أنظاره نحو دولة الخلافة، مُستغلًا ظروفها المُتدهورة، فأرسل خطاب تهديدي لأهل المناطق الحدوديَّة إذا لم يدفعوا له الخراج، وهددهم إذا امتنعوا عن أداء ذلك بتحريك جيشًا لقتالهم. ولكونهم رفضوا تهديدات ملك الرُّوم أو لم يذعنوا لها، جهَّز الأخير جيشًا بقيادة يوحنَّا كوروكواس، ويُعرف بغرغون، ودخل ملطية في سنة 314هـ / 926م، بعد أن هرب أهلها نحو بغداد مُستغيثين بالخليفة، واستولي عليها لفترة قصيرة.[215] وفي سنة 316هـ / 928م، استولى الرُّوم على مدينة أرضُ الرُّوم (أرضروم المُعاصرة)، وقاموا بإخراج العرب من أرمينية.[217] وبسبب ذلك الضَّعف الشَّديد الذي حل بالخلافة وخلع المُقتدر للمرة الأولى في مُحرَّم سنة 317هـ / مارس 929م، جاء وفد من مدن الثُّغور الجزريَّة (منها ملطية، وميافارقين، وآمد، وأرزن وغيرها) إلى العاصمة بغداد، واستأذنوا في تسليم مناطقهم سلمًا إلى ملك الرُّوم، وذكَّروهم بعجزهم، وطلبوا من العساكر أن يُساعدوهم بدلًا من ذلك، فلم يحصلوا على فائدة وعادوا خائبين.[165]
زينة بغداد العظيمة
[عدل]ذكر المُؤرخون ليومٍ عظيم قدِم فيه وفدٌ من الرُّوم في سنة 305هـ / 917م، وضم الوفد نحو عشرون شخصًا يقودهم رسولٌ شاب لمُلاقاة الخليفة المُقتدر بالله، فقد أراد الملك قُسطنطين السَّابع أن يتوصَّل إلى هدنة وأن يُفادي الأسرى، ويروي المُؤرخون أنه حينما وصل الوفد إلى العاصمة بغداد، ذهل رسول الرُّوم لما رآه، فقد رأى الاحتفال الباهر في الشَّوارع، واصطفاف أكثر من 160 ألفًا من الجيش، ما بين فارسٍ وراجل غير العساكر الخارجة في سائر البلاد مع نُوابها، حسب المُؤرخ ابن كثير. ومع أن الرَّقم قد يبدو مُبالغًا فيه، إلا أنه يُبين وجود أعدادًا غفيرة من الجُند، بالإضافة إلى وجود آلاف الغُلمان العساكر في غاية الملابس، وبانت السُّفن على نهر دجلة مثل السُّميريَّات المُتزيَّنة.[70][218]
حين دخل الرَّسول دار الخلافة، انبهر بكثرة الزينة التي رآها، فقد كان فيها 38 ألف من السُّتور، منها قرابة 12 ألف مُذهَّبة، وبُسط فيها 22 ألف بُساط، بالإضافة إلى الحيوانات المُفترسة مُتآنسة مع الناس، واستمر في رُؤية الكثير مما أدهشه وأرهبه، حتى وصل إلى الخليفة الذي كان جالسًا على سرير من آبنوس قد فُرض بالدَّبيقي المُطرَّز، وتمتلئ بالجواهر، فوقف الوفد الرُّومي على نحو مائة ذراع من الخليفة المُقتدر بالله، والوزير ابن الفُرات حاضرًا مع التُّرجمان بين يدي الخليفة. أطلق الخليفة الخُلع على الوفد، وأطلق لهما خمسين سقرقًا، في كل سقرق خمسة آلاف درهم. أمر الخليفة بإجراء الاحتفالات منذ البداية وإظهار الزينة والفخامة بهدف إبراز قُوَّة الخلافة أمام وفد مملكة الرُّوم، والتي لطالما اشتعلت المعارك والحملات بين الطرفين على مدار التَّاريخ.[70][182][219][220]
زوال الأغالبة وظهور الفاطميين
[عدل]كانت الأوضاع في ولاية إفريقية (والتي كان يحكمها الأغالبة فعليًا نيابةً عن الخلافة العبَّاسيَّة) سيئة للغاية بالنسبة للخلافة، فعلى الرُّغم من أن الأغالبة حكموها لنحو قرنٍ من الزمان، إلا أنها شهدت تطوُّرات سريعة لاحقًا في أول خلافة المُقتدر. فقد قامت حركة شيعيَّة تنتمي للمذهب الإسماعيلي في إفريقية (التي تشمل اليوم تونس وأجزاء من غرب ليبيا وشرق الجزائر المُعاصرين) بقيادة الدَّاعي أبو عبد الله الشيعي، فناصرته قبائل البربر وعلى رأسهم قبيلة كتامة، ليتمكن الدَّاعي بعد معارك عديدة، من إزالة مُلك الأغالبة في إفريقية، بالإضافة إلى بنو رستم حُكَّام تاهرت، وبنو مدرار حُكَّام سجلماسة، بين سنتي 295 حتى 297هـ / 908 حتى 910م، الأمر الذي أدى لإنهاء الخُطبة للعباسيين وخروج إفريقية من سُلطانهم الاسمي.[221] قام الدَّاعي الشيعي بمُبايعة عبيد الله المهدي خليفةً علويًا، مُؤسسًا بذلك الخلافة الفاطميَّة، على الرُّغم من وجود جدال بين المُؤرخين حول صحة نسبه.[101][221] ويُعلق المُؤرخ التونسي فرحات الدشراوي على تطوُّر مسار الأحداث الخطيرة التي أصابت شمال إفريقيا قائلًا: «واعتبارًا من ذلك التاريخ أصبح من الواجب أن يقرأ كل من خليفة بغداد، وخصمه صاحب قرطبة حسابًا لعدوهما المُشترك، الإمام الإسماعيلي المُنتصب في رقادة»، وذلك لأن المهدي بعد إعلانه لخلافته من عاصمته رقادة، قد تعهد بإزاحة العباسيين المُغتصبين للسُّلطة، وبتقويض النظام الذي شيده أعداؤه الأمويين في الأندلس، حسب المفاهيم الشيعية.[222]
النزاع مع العباسيين على جزيرة صقلية
[عدل]بعد أن سيطر الفاطميين على إفريقية وما جاورها، بالإضافة إلى جزيرة صقلية، استعمل الخليفة الفاطمي عبيد الله المهدي، عليُّ بن عمر واليًا على الجزيرة، إلا أن أهالي صقلية رفضوه وعزلوه عنهم، ثم ولُّوا عليهم أحمد بن قرهب، والذي قادهم نحو غارَّة إلى أرض قلُّورية، فغنموا منها وأسروا من الرُّوم ثم عادوا منها في سنة 297هـ / 910م.[223] كان ابن قرهب رجُلًا طموحًا، وأراد أن يكون ذا سُمعة وقُوَّة بين أهالي صقلية، فدعاهم لطاعة الخليفة العبَّاسي المُقتدر ليحكم باسمه، فأجابوه وقبلوا منه وخلعوا طاعة المهدي الفاطمي في سنة 300هـ / 913م.[223]
بدأ أنصار ابن قرهب بالإغارة على إفريقية بحرًا، فوجدوا الأسطول الفاطمي بقيادة الحسن بن أبي خنزير، فأحرقوا الأسطول وقتلوا ابن أبي خنزير وأخذوا برأسه إلى ابن قرهب. توجه الأسطول الصقلي لاحقًا إلى مدينة سفاقس، فخرَّبوها وتابعوا سيرهم إلى طرابلس، إلا أنهم عادوا عنها لوجود القائم بن المهدي. في هذه الأثناء، أرسل الخليفة المُقتدر بالألوية والخُلع السُّود إلى ابن قرهب، إلا أن حاله تغيَّرت بعد أن ظفر الأسطول الفاطمي بأسطوله. بدأ أهالي الجزيرة ينفضُّون عنه، فراسل أهل جرجنت المهدي وكاتبوه، فلما رأى ذلك أهل صقلية، أجمعوا على مُكاتبة المهدي وخافوا من أن يغزوهم ويبطش بهم، وثاروا ضد ابن قرهب وأخذوه أسيرًا في سنة 300هـ / 913م، وأرسلوه إلى المهدي، والذي أعدمه فوق قبر الحسن بن أبي خنزير، لتبقى صقلية تحت سُلطة الفاطميين.[223]
تحرُّك الفاطميين للاستيلاء على مصر
[عدل]الحملة الفاطميَّة الأولى
[عدل]بعد سقوط كامل إفريقية بيد الفاطميين، قرر الخليفة الفاطمي عبيد الله المهدي الاستمرار في التوسُّع والاستيلاء على مصر من العباسيين، مُعتبرًا حسب بعض المُؤرخين، أن فتحه لإفريقية مُجرَّد مرحلة على الدرب الطويل الذي سيقوده حتمًا إلى مصر والشَّام مُستقبلًا.[224] أرسل المهدي جيشًا بقيادة ابنه أبُو القاسم نحو مصر في سنة 301هـ / 914م، فسار الجيش من إفريقية برًا حتى وصل إلى برقة واستولى عليها في ذو الحجَّة سنة 301هـ / يونيو 914م، ثم تابع مسيره إلى الديار المصريَّة، فسيطر على الإسكندريَّة، وواصل استيلائه على الفيوم، وسقطت مُعظم الديار المصريَّة بيد الفاطميين، وضيَّق على أهاليها. وصلت الأنباء إلى الخليفة المُقتدر، وقرر إرسال جيشًا كبيرًا بقيادة مُؤنس الخادم، فزحف الأخير نحو مصر، وحارب الجيش الفاطمي حتى هزمهم واستعاد كامل مصر وبرقة، ليعود الفاطميين إلى إفريقية خائبين.[83]
الحملة الفاطميَّة الثانية
[عدل]لم تنل فشل الحملة الأولى من عزم الخليفة الفاطمي، فقرر إرسال حملةً أخرى بقيادة حُباسة بن يُوسف، ولكن هذه المرة من خلال البحر، فسار الأخير بالأسطول الفاطمي نحو مصر في جُمادى الأولى سنة 302هـ / أواخر نوفمبر 914م، وسيطر على الإسكندريَّة. وصلت الأنباء من جديد إلى الخليفة المُقتدر، والذي عيَّن مُؤنسًا على رأس الجيش وأمده بالمال والسلاح، وآزر مُؤنس، كُلًا من القادة أحمد بن كَيْغلغ، والقاسم بن سيما، وأبُو قابوس مُحمَّد بن حمك مع قُواتهم، والتقى العباسيين مع الفاطميين في 30 جُمادى الآخرة سنة 302هـ / 20 يناير 915م، في معركة شديدة على الطرفين، فقُتل منهما عدد كبير، وجرح مثلهم، ثم كان بينهم وقعات ثانية وثالثة حتى انتهت في الرَّابعة بانهزام الفاطميين ومقتل سبعة آلاف مع الأسرى منهم. تمكن القائد الفاطمي حُباسة من الهرب إلى الغرب، إلا أن المهدي أمر بإعدامه على اثر فشله في الاستيلاء على مصر والعودة مهزومًا.[225]
الحملة الفاطميَّة الثالثة
[عدل]قرر المهدي الفاطمي بعد سنواتٍ عديدة من فشل حملاته الأولى، إرسال جيشًا كبيرًا بعد أن جهَّزه بقيادة ابنه أبُو القاسم، فوصل الأخير الإسكندريَّة في ربيع الآخر سنة 307هـ / سبتمبر 919م، وبعد أن سيطر عليها، واصل زحفه فملك الجيزة والأشمونين وأجزاءً كبيرة من بلاد الصَّعيد، وأرسل إلى أهالي مكَّة يدعوهم إلى طاعة المهدي الفاطمي، فلم يقبلوا منه. لم تكد الأخبار تصل إلى بغداد، حتى جاء القائد مُؤنس الخادم على رأس جيشٍ كبير لمُحاربة الفاطميين، فدارت وقعات عديدة بينه وبين أبُو القاسم حتى ظفر بالمعركة مُؤنس وجيشه، وسُمي من يومه مُؤنس المُظفَّر، ووصلت تعزيزات بحريَّة فاطميَّة أرست في الإسكندريَّة، وبها سُليمان الخادم، ويعقوب الكتامي، الذي يُشهد لهما بالبأس.[71]
فور ورود أنباء وجود تعزيزات من الفاطميين إلى الخليفة المُقتدر، أمر بتسيير المراكب المتواجدة في طرسوس تعزيزًا لمُؤنس والجيش، وبلغ عددها 25 مركبًا ومُجهزة بالعدد والنفط بقيادة أبُو اليمن، فالتقت المراكب العبَّاسيَّة والفاطميَّة، ودارت معركة بحريَّة بين الطرفين حتى انهزم الفاطميين وقُتل معظمهم وأسر العديد من جنودهم وقاداتهم، مثل سُليمان الخادم ويعقوب الكتامي. حاول أبُو القاسم بن المهدي إعادة ترتيب جيشه، إلا أن الوباء قد تفشَّى فيهم، فمات مُعظم جنده وخيوله لانتشاره في المعسكر، ما جعله يُقرر العودة إلى إفريقية، وتتوقف المُحاولات الفاطميَّة في عهد المُقتدر.[71]
العلاقة مع الأندلس
[عدل]كانت الأندلس تحكمها إمارة قرطبة المُستقِلَّة عن الخلافة العبَّاسيَّة منذ أمدٍ بعيد، ولم يعد الطرفين يشعران بالخطر من بعضهما البعض،[222] ويُعاصر المُقتدر في فترة خلافته كثيرًا، أميرها عبد الرَّحمن النَّاصر لدين الله الأموي، فقد تولَّى حكم الإمارة منذ عام 300 حتى 316هـ / 912 - 928م، وفي خلال هذه الفترة، سعى لترتيب شؤون الأندلس وإنهاء الصراعات الداخليَّة، فأنهى حكم ابن حفصون،[226] وضم إشبيلية،[227] وقاتل الممالك النصرانيَّة في الثَّغر الأعلى.[228]
حدثت تطوُّرات خطيرة ومسائل ظهرت في ذهن النَّاصر، فقد استحكم الفاطميُّون الشيعة على بلاد إفريقية القريبة، وأعلن حاكمها عبيد الله المهدي خلافته التي هددت نفوذ النَّاصر لأول مرة من جهة المغرب،[222] في حين، تشهد الخلافة العبَّاسيَّة في المشرق صراعات داخليَّة وخارجيَّة جمَّة، وما شجَّع النَّاصر على اتخاذ تلك الخطوة هو انتصاراته الأخيرة الأخيرة عبر إخضاع الثَّائرين في الأندلس ومواجهة الممالك النصرانيَّة، لتدفع النَّاصر بإعلان خلافته في خطبة الجمعة من ذي الحجَّة سنة 316هـ / يناير 929م.[101][229] أكمل النَّاصر خلافته من السنة المذكورة حتى وفاته في سنة 350هـ / 961م.[230]
العلاقة مع السَّامانيين
[عدل]كانت العلاقة طيَّبة مع الإمارة السَّامانيَّة التي حكمت خُراسان وبلاد ما وراء النهر وما جاورها، فقد استمر بنو سامان في ولايتهم على أساس تبعيتهم للخليفة، بعد أن ثبَّت المُقتدر حُكم الأمير أحمد بن إسماعيل السَّاماني. وفي سنة 299هـ / 910م، تمكن السَّامانيون من استعادة سجستان وإخراج الصَّفَّاريين منها بقيادة المُعدَّل بن عليُّ بن اللَّيث. إلا أن الوضع شهد اضطرابًا مستمرًا في المنطقة لقيام ثورة كثير بن أحمد بن شهفور، والذي استولى على سجستان، ثم طمع بالسيطرة على ولاية فارس المُجاورة في سنة 304هـ / 915م، والتي استعادها العبَّاسيين قبل سنوات، ما جعل المُقتدر يكتب لبدر الحمامي بالتجهُّز لحرب ابن شهفور، فخاف الأخير وأرسل عرضًا للخليفة بتوليته على فارس في مُقابل الدَّفع، فقبل المُقتدر وولَّاه على أن يدفع 500 ألف درهم.[231] قُتل أحمد السَّاماني على يد بعض غُلمانه في سنة 301هـ / 913م، ليتولى ابنه نصر بن أحمد السَّاماني - ذو الثمانية سنوات - حكم خُراسان وتوابعها، فاستصغره الناس وظنوا أن أمره لن يتم لوجود عم أبيه إسحاق شيخ السَّامانيَّة وحاكم سمرقند، إلا أن الوزير المُتنفذ أبُو عبد الله محمد الجيهاني، تمكن من تدبير أمور الدولة وتسيير شؤونها، ومن ثم حارب إسحاق في نفس السنة وتمكن من أسره.[231]
العلاقة مع طبرستان وبلاد الدَّيلم
[عدل]نهاية دولة العلويين في طبرستان
[عدل]وقعت طبرستان لفترة قصيرة تحت سيطرة السَّامانيين، إلا أن الحسن بن علي الأطروش المُلقَّب بالنَّاصر وهو زيدي، قد تمكن من الاستيلاء على طبرستان في سنة 302هـ / 914م،[232] وبقي حاكمًا عليها حتى توفي في شعبان سنة 304هـ / يناير 920م، ليتولى ابن عمه الحسن بن القاسم الدَّاعي حُكم طبرستان.[233] بدأ جُند طبرستان يثيرون الشَّغب للحصول على المال، فرأى الدَّاعي، استغلال الظروف والصراعات الداخليَّة لدى كلًا من العبَّاسيين والسَّامانيين، وبدأ بإرسال أهم قُوَّاده، وأشهرهم ليلى بن النَّعمان الدَّيلمي واليه على جرجان، والذي حاول الاستيلاء على نيسابور في سنة 308هـ / 920م، إلا أنه قتل قبل الوصول إليها في طوس ضد السَّامانيين، وأرسل كُلًا من ماكان بن كالي، وسرخاب بن وهسوذان، الذين حاولوا صد هجوم للسَّامانيين بقيادة سيمجور الدواتي على جرجان وانتهت بحيلة وانسحاب السَّامانيين.[234] قُتل الدَّاعي بعد أن انقلب عليه أسفار بن شيرويه الدَّيلمي ومعه مرداويج بن زيار في سنة 316هـ / 928م، فاستولى على طبرستان ودعا لطاعة السَّامانيين، مُنهيًا بذلك دولة العلويين في طبرستان.[235]
كان أسفار طموحًا ومُخادعًا ولم يكن مسلمًا، فبعد فراغه من أمر طبرستان، زحف نحو الرَّي واستولى عليها، ثم أراد التقدُّم نحو قلعة ألموت فعمل حيلة مع صاحب الدَّيلم، سياه جشم بن مالك الدَّيلمي، حتى قتله واستولى على القلعة.[236] بعد أن عظم شأن أسفار، قرر أن يخلع طاعة السَّعيد نصر بن أحمد السَّاماني، وقتال الخلافة العبَّاسيَّة، فسير إلى المُقتدر جيشًا بقيادة هارون بن غريب والتقى الطرفان في قزوين، فانهزم هارُون ولاذ بالفرار، وحقد أسفار على أهل قزوين لمُساعدتهم جيش الخلافة.[237] شعر السَّعيد السَّاماني أنه عليه أن يتدخل، فجمع جيشه وسار نحو نيسابور وأرسل مُهددًا بقتاله إن لم يخضع له ويدفع له المال، فخاف أسفار بعدما أشاروا عليه أصحابه بإجابة مطلبه والاتفاق معه على الشروط، فوافق الطرفان.[236]
بعد القبول لمطالب السَّعيد السَّاماني، سار أسفار إلى مدينة قزوين بعد أن حقد عليهم نتيجة تعاونهم مع العباسيين، فارتكب مذبحة عظيمة في أهلها، وسلبهم الأموال، وعمل السيف فضاقت الأرض عليهم، حتى أنه حينما سُمع بمؤذن الجامع يُؤذن، أُمر به ليُلقى من المنارة إلى الأرض، فاستغاث الناس من شره وظلمه، وخرج من استطاع نحو الصَّحراء، وأسفار يستهزئ بهم وهم يدعون عليه.[236] ظهر مرداويج بن زيار كأحد كبار قادة جيش أسفار، فكان طموحًا ويريد المُلك، مما جعله ينشئ تحالفات داخل الجيش مُستغلًا سوء سيرة أسفار بين الجُند وظلمه، فثار مرداويج عليه، وتمكن من قتل أسفار على الرُّغم من اختلاف المدة حتى سنة. حكم مرداويج حينها كامل طبرستان، وأحسن إلى أهل قزوين بعد ما حدث لهم، فأحبوه، ثم ملك الرَّي وهمذان، وقُم، وأصبهان وغيرها في ولاية الجبال، مؤسسًا السُّلالة الزياريَّة.[238]
صعود مرداويج بن زيَّار وضمه بلاد الديلم
[عدل]كانت بلاد الدَّيلم مُستقلَّة في أمرها، وكثيرًا ما كانت تُخالف دولة الخلافة لمناعة جبالها وحصونها وشدة أصحابها، ويُعتقد أنهم يُمثلون شرًا خطيرًا، ويُروى أنه حينما كتب الوزير العبَّاسي الخُصيبي إلى يُوسف بن أبي السَّاج والي أذربيجان للقدوم إلى العراق بهدف مُحاربة القرامطة، كتب ابن أبي السَّاج إليه: «أنا في ثغر أعظم من ثغور الرُّوم، بإزاء سد أحصن من سد يأجوج ومأجوج، وإن أخللت به، انفتح منه أعظم من أمر القرمطي، ولم يُؤمن أن يكون سببًا لزوال المملكة في سائر النواحي»، فلما جاءت رسالته هذه إلى الكُتَّاب، انفجروا ضاحكين وقالوا مُستهزئين: «في أي ثغر؟ ومن بإزائه إلا الديلم، وإنما هم أكرة، ولكنه يريد ترفيه نفسه، والخلاف على السُّلطان»، فجاء ابن أبي السَّاج وحارب ضد القرامطة حتى قتل في المعارك ضدهم.[239]
بعد مقتل ابن أبي السَّاج، ضعف الثَّغر ضد الدَّيلم، وقام مرداويج بن زيار حاكم طبرستان، بالاستيلاء على بلاد الدَّيلم بالإضافة إلى العديد من المدن في ولاية الجبال، ولم يكن هنالك مقاومة فقد خُلع المُقتدر للمرة الأولى في بغداد واضطَّربت الأمور.[237] أرسل مرداويج إلى الخليفة المُقتدر في سنة 319هـ / 931م، طالبًا منه أن يُقرُّه على المناطق التي تغلَّب عليها، فأرسل المُقتدر بالعهد واللواء والخلع إليه، فعقد له على أذربيجان، وأرمينية، وأرَّان، ونهاوند، وسجستان.[240] كان مرداويج من أهم قُوَّاد الدَّيلم الذين ظهروا، ويطمح لإقامة دولة فارسيَّة وإنهاء الدَّولة العربيَّة، وبتملُّك بغداد وإعمار إيوان كسرى ويُعاد كهيئته قبل الفتح الإسلامي، حتى أنه صاغ لنفسه تاجًا مرصَّعًا بالجوهر، كصفة تاج كسرى. كانت الناس تخشى منه، ويخاف الجند منه خوفًا عظيمًا، إلا أنه في سنة 323هـ / 935م، أي بعد مقتل المُقتدر، ثار جنود من الأتراك ضد مرداويج، بعد أن أمرهم بنقل السُّروج من الخيل إلى ظهور الجُند، فدخلوا عليه الحمَّام وقتلوه.[241]
حياته الشخصيَّة
[عدل]إخوته
[عدل]كان للمُقتدر عددًا من الإخوة والأخوات، ذكرت المصادر:[242][243]
- عليُّ المُكتفي بالله (حكم 902-908) وأمُّه جيجك
- مُحمَّد القاهر بالله (حكم 932-934) وأمُّه فِتنة
- هارُون (لم يعقب)
زوجته
[عدل]تزوَّج المُقتدر بالله مرة واحدة في حياته، وهي حُرَّة بنت بدر، ابنة القائد العسكري الكبير في خلافة أبيه بدر المعتضدي، وجرى الزواج قبل أن يُصبح جعفر خليفةً، فكانا كلاهما في سن صغيرة جدًا، ولعله زواجًا بدافع سياسي في المقام الأول. كان المُقتدر كريمًا معها، وبقيت زوجته طوال خلافته حتى قُتل في سنة 320هـ / 932م.[244]
جواريه
[عدل]اشتُهر المُقتدر منذ توليه الخلافة بامتلاكه عددًا كبيرًا من الجواري، وتروي بعض المصادر أنه كان مُحبًا للهو ولأجواء ومجالس المُغنين والجواري، لدرجة أنه كان يهب ما لديه من الأموال والجواهر النفيسة في سبيل إرضاء من يُحب.[245] كان تأثير القهرمانات والجواري في حياة المُقتدر كبيرًا بعكس أبيه المُعتضد، فقد كان ذا شخصيَّة قوية ومُتحكمًا بشؤون زيجاته وحظاياه، فلم يظهر من زوجته شغب أي دور يذكر إلا بعد تولي المُقتدر للخلافة، وذلك راجعًا لصغر سنه وقلة خبرته.[246]
من بين الجواري التي ذُكرن في حياة المُقتدر، ظَلوم، وهي أم ولد روميَّة الأصل، وأنجبت له محمَّد الرَّاضي.[247] وخلُوب (ويُقال زهرة) أنجبت له إبراهيم.[248] ومشعلة الصَّقلبيَّة، وأنجبت له الفضل.[249] ودستنويه، وهي جارية من أصلٍ فارسي، اشتراها المُقتدر بنحو 15 ألف درهم من أحد تجَّار الرَّقيق حينما عرضها في قصره في بغداد. حظت دستنويه لدى الخليفة المُقتدر، فقد اتَّصفت بالجمال والكرم، وكانت تجيد الغناء.[250] وجارية تركية تُدعى دُمنة، وكانت تجيد الغُناء، وتروي المصادر أن راتبها اليومي بلغ 100 دينار.[251] وخمرة، والتي اشتهرت بكرمها وإحسانها وعطائها للفُقراء والمُحتاجين، وأنجبت له عيسى.[249]
ذريته
[عدل]أعقب الخليفة المُقتدر بالله عددًا من الأبناء والبنات، وأصبح بعضهم خُلفاء لاحقًا، ذكرت المصادر أسماء أبنائه:[30][252][253][254]
- مُحمَّد الرَّاضي بالله (حكم 934-940) وأمُّه ظلوم
- إبراهيم المُتقي لله (حكم 940-944) وأمُّه خلُوب
- الفضل المُطيع لله (حكم 946-974) وأمُّه مشعلة
- أبُو مُحمَّد إسحاق وأمُّه دُمنة
- أبُو العبَّاس أحمد
- أبُو الحسن علي
- أبُو علي عبد الواحد
- أبُو الفتح عيسى وأمُّه خمرة
- أبُو أحمد العبَّاس
- موسى
- إسماعيل
- طلحة
توفي بعض أبناء المُقتدر وبناته الثلاثة في حياته، وكانت أعمار بناته بين الخامسة عشر، والعشري�� سنة.[255]
صفاته
[عدل]صفته الخلقيَّة
[عدل]كان المُقتدر متوسط الطول رَبعة، ثقيل البدن وعظيم الجسم في آخر أيامه لحبه للطعام والشَّراب، مدور الوجه، أبيضًا مُشرَّبًا بالحُمرة، حسن الوجه والعينين، بعيد ما بين المنكبين، جعد الشعر وأحسنه، أصهب اللَّحية، إلا أن الشَّيب ظهر في رأسه وعارضيه في أواخر عمره.[5][7][153][256]
أخلاقه ودينه
[عدل]تحدثت بعض المصادر حول انغماس المُقتدر في ملذاته الشَّخصيَّة، ومنذ سنٍ مُبكرة، فقد سعت والدته إلى جعل تركيزه مهتمًا بجلسات اللهو والشَّراب والجواري كي تحتكر في شؤون الحكم. ويُروى أنه كان رأيه صائبًا وعقله راجحًا إلا إذا انغمس في الشَّراب (منقوع الزبيب في الماء)، فما إن يترك الشَّراب خمسة أيام متتالية حتى يُصبح رأيه مثل المُعتضد والمأمُون، حتى قيل أنه لا يفسده شيئًا ولا تُعيبه صفة سوى الشَّراب وتأثيره عليه.[257] وإلى جانب الأقوال والمُبالغات التي دارت حول حياة المُقتدر ولهوه، فقد روي أنه كان متدينًا كثير الصَّوم والصلاة والتطوُّع للسُّنن.[7][258]
كان المُقتدر صاحب مواقف تدل أحيانًا على جودة الفهم، وحُسن تقدير للموقف، فعندما كان يُلاعب الفضل أصغر أبنائه بحضور ابنه مُحمَّد، ظن أن هذا قد يثير غيرته فاستدرك المُقتدر الموقف قائلًا: «يا مُحمَّد لا تنظر إلى فعلي بفضل فتظن أنه يعشرك - أي يُبعدك - عني، ولا أحد من الناس، ولكنه صغير ولم تزل الرِّقَّة والمرح ينصرفان إلى الأصغر من الولد، وللكبير جلاله ومحلُّه». وقالت زيدان القهرمانة حينما بلغها حُسن أدب وفطنة ابنه مُحمَّد الرَّاضي بالله: «ما نريد أن يكون أولادنا أدباء ولا عُلماء، وهذا أبوهم - أي جعفر - قد رأينا كل ما نحب فيه وليس بعالم» في مقصد لحُسن أدب المُقتدر وخُلُقه. وعلى الرُّغم من قلة علم المُقتدر في مجال الأخبار والآداب، إلا أن أبناؤه قد حظوا بتعليمٍ جيد على يد كبار المُربين في زمانهم، مثل الأديب أبُو بكرٍ الصُّولي، وأبو إسحاق الزجاج بعد أن أرسلهم إلى المكتب لتعليمهم في سنة 302هـ / 915م، وكانت جدتهم تبدي حرصًا على نوع التعليم الذي يتلقونه.[16][118][259] يروى أن نقش خاتمه: «الحمد لله الذي ليس كمثله شيء وهو على كل شيء قدير»، بعد أن ورثه من أبيه المُعتضد.[6][260] يمتلك المُقتدر خواتم أخرى، نقشهم: «العظمة لله»، و«المقتدر بالله»، و«الملك لله».[256][260]
تبذيره وإسرافه
[عدل]كان المُقتدر متلافًا ومُبذرًا للمال، ويُحب إظهار التجمُّل والزينة في المساكن والآلات والسلاح والخيل، ويأمر حاشيته وجنده بإظهار آثار النعمة عليهم، وبوجوب التجمُّل.[261] من آثار تبذيره هو تفريق جوهر الخلافة من لدن بني أمية وأيَّام بني العبَّاس، إذ فرَّق بعضًا منها على القهرمانات والجواري والخدم، ولجوهر الخلافة قيمةً عظيمة، حيث احتفظ بها الخُلفاء العبَّاسيين ويضيفون إليه حتى اجتمع للمُقتدر ما لا عينٌ رات، ولا أذن سمعت، ومن بينها الدُّرة اليتيمة التي وهبها لإحدى جواريه، وقُيَّم سعرها نحو 120 ألف دينار، ووهب خاتم هارُون الرَّشيد وبلغت قيمته 300 ألف دينار. ومن إسرافه، أنه نظَّم سُبحة من مائة حبَّة، وسُعِّرت الواحدة بألف دينار.[262][263][264] أحصى المُؤرخ مسكويه، أن المُقتدر أتلف ما بين 70 إلى 80 مليون دينار دون احتساب أموال البيعة ثلاث مرات، وما أنفق على فتح فارس وكرمان.[265] من غريب ما يُروى عن اسرافه، أنه رغب يومًا الشُّرب على نهر في بستان يملكه، فأمر أن يُسمد البستان قبل مجيئه بأيام، وسحقت كمية من المسك بمقدار ما يحتاج إليه البستان وسمد به، ليجلس المُقتدر يومًا كاملًا فيه.[266] بالغ المُقتدر في إظهار حفلة ختان أولاده سنة 302هـ / 924 م حتى وصلت تكلفتها نحو 600 ألف دينار، وختن معهم جماعة من الأيتام، وفرَّق فيهم الدراهم والكسوة.[267][268] قال المُقتدر ذات مرَّة: «لم يُمكننا الله من الدنيا لننسى نصيبنا منها، ولم يوسع علينا لنضيق على من في ظلالنا».[261]
ميراثه
[عدل]لم تتنوَّع أقلام المُؤرخين كثيرًا حول فترة خلافة المُقتدر بالله، وغلب عليها الانتقادات بسبب استلامه للحكم في عمرٍ صغير ما سبب إهمال شؤون الدَّولة وظهور نُفوذ النساء، وأصبحت الخلافة في زمنه موضع أطماع من الخارج، وتدهورت البلاد أمنيًا في عهده إلى حدٍ كبير، بعد أن شهدت نهضةً في عهد أبيه المُعتضد وتحسُّنًا في فترة أخيه المُكتفي.
المتوازنون
[عدل]- العالم والفقيه ابن الجوزي: «كان سخيًا جوادًا، وكان يصرف إلى الحرمين..» واستعرض أعطياته وما أجرى على القُضاة وأصحاب البريد وغيرهم،[269] ويتابع حول التزامه قائلًا: «وكان يصوم كثيرًا، ويتنقل بالصلاة كثيرًا»، وانتقده على تبذيره وإسرافه في جملة من الانتقادات، ومنها تفريطه في جواهر الخلافة بين حاشيته وجواريه.[270]
- العالم والمُؤرخ ابن كثير الدمشقي: لعلَّ ابن كثير من القلائل الذين توازنوا في رأيهم حول المُقتدر، فيقول في ترجمته: «قد كان كريمًا، جوادًا مُمدحًا له عقلٌ جيد، وفهم وافر، وذهنٌ صحيح»، ثم تابع مُثنيًا في إحدى المواطئ: «وكان كثير التنفُّل بالصلاة والصيام والعبادة»، ولكنه ينتقده قائلًا: «ولكنه كان مُؤثرًا لشهواته، مطيعًا لمحظياته، كثير التلون والولاية والعزل، وما زال ذلك دأبه».[7]
- المُؤرخ والشَّاعر ابن الطَّقطقي: «وكان المُقتدر سمحًا كريمًا كثير الإنفاق» ثم يتحدث حول إسرافه الكبير قائلًا: «وكانت خزانة الجوهر في أيامه مُترعة بالجواهر النفيسة، فمن جملتها الفص الياقوت، الذي اشتراه الرَّشيد بثلاثمائة ألف دينار .. إلى غير ذلك من الجواهر النفيسة، ففرَّقه جميعه وأتلفه في أيسر مدة».[190]
- المؤرخ المصري محمد إلهامي: يستفتح ترجمة المُقتدر في فقرة قائلًا: «لكن لا أحد يستطيع لوم المقتدر، فهو ما زال الفتى الغض الطري الذي وجد نفسه خليفة دون سعي إليها ولا قتال عليها، وقد كانت صفاته الشخصية صفات إنسان كريم، فكان كثير الصلاة والصوم، وكان كثير العفو، وسيظهر في قابل الأيام أنه كان أقرب إلى الضحية منه إلى المسؤول!»،[271] ويتابع حول إسراف المُقتدر قائلًا: «غير أن الإنصاف يلزمنا بالقول أنه لم يكن الإسراف والتبذير في إنفاق المقتدر أو كل نفقات الدولة كان على اللذات والملاهي، بل إن الدولة استعملت الأموال في الإنفاق على المؤسسات الخيريَّة والمستشفيات والمدارس. وكان المقتدر بطبعه السمح الكريم ينفق على الفقراء والمحرومين واليتامى كثيرا».[272]
المنتقدون
[عدل]- المُؤرخ والمُفسر مُحمَّد بن جرير الطَّبري: يُروى أنه حينما خُلع المُقتدر وبُويع ابن المُعتز، دخل جماعة من أصحاب الطَّبري عليه، فسألهم عن الخبر، فقيل أن ابن المُعتز بُويع، وسألهم عن المُرشَّح للوزارة، فقيل مُحمَّد بن داوُد، ثم سألهم عن من ذُكر للقضاء، فقيل له أبُو المُثنَّى، فأطرق الطَّبري ثم قال:«هذا الأمر لا يتم»، فسألوه عن الكيفيَّة، فأجاب: «كل واحد ممن سميتم مُتقدم في معناه عالي الرُّتبة، والزمان مُدبرٌ والدُّنيا مولَّية، وما أرى هذا إلا إلى اضمحلال، وما أرى لمدته طولًا»، تُوفي الطَّبري في خلافة المُقتدر سنة 310هـ / 923م.[273]
- المُؤرخ والجغرافي المسعودي: «أفضت الخلافة إليه وهو صغير، غرٌ ترف لم يُعان الأمور ولا وقف على أحوال الملك، فكان الأمراء والوزراء والكتاب يدبرون الأمور، ليس له في ذلك حل ولا عقد، ولا يوصف بتدبير ولا سياسة، وغلب على الأمر النساء والخدم وغيرهم، فذهب ما كان في خزائن الخلافة من الأموال والعدد بسوء التدبير الواقع في المملكة، فأداه ذلك إلى سفك دمه، واضطربت الأمور بعده».[153]
- العالم والمُؤرخ ابن الأثير الجزري: انتقد ابن الأثير ما قام به مُؤنس في قتال الخليفة وأنه كان سببًا لتجرؤ القادة لاحقًا على الخُلفاء، ثم انتقد أداء المُقتدر قائلًا: «على أن المقتدر أهمل من أحوال الخلافة كثيرًا، وحكَّم فيها النساء والخدم، وفرَّط في الأموال، وعزل من الوزراء وولى مما أوجب طمع أصحاب الأطراف والنُّواب، وخروجهم عن الطاعة»، ثم يختم قائلًا: «وإذا اعتبرت أحوال الخلافة في أيامه وأيام أخيه المُكتفي ووالده المُعتضد، رأيت بينهم تفاوتًا بعيدًا».[144]
- المُؤرخ والشيخ المصري مُحمَّد الخضري بك: «وعلى الجملة، فكانت خلافة المُقتدر في جميع أيامها شر أيام على الدولة العبَّاسية، لأنه حكَّم فيها النساء والخدم وبذَّر في الأموال تبذيرًا مفظعًا»، ثم يتابع حول مصيره: «وهكذا نهاية الفساد في الدولة، وهو المُؤذن بخرابها واضمحلالها».[49]
- المُؤرخ اللُّبناني مُحمَّد سُهيل طقُّوش: «لم يكن المُقتدر على مستوى الأحداث الشائكة التي تحيط به، ولما شب عكف على لذاته، وترك أمور الدولة في إدارة مؤنس التركي، وبرزت في عهده ظاهرة تدخُّل النساء في أمور الدولة، وانتشرت في أيامه الفتن في الداخل والخارج».[274]
في الثَّقافة الشعبيَّة والمرئيَّة
[عدل]رحلة ابن فضلان
[عدل]كلَّف الخليفة المُقتدر بالله الرَّحَّالة أحمد بن فضلان في مهمة رسميَّة ضمن وفد مُكوَّن من أربعة أفراد سنة 309هـ / 921م، في إجابة لمطلب رسمي من ملك الصَّقالبة، ألمش بن يلطوار لتعريفه وشعبه بدين الإسلام ويُفقِّهُهُ في الدين، وتأسيس تحالف مع دولة الخلافة لمواجهة نُفوذ الخزر حُكَّام القفقاس.[275] يُعتقد أن الخليفة المُقتدر قد صرف من خزينة الدولة ما يكفي حاجة البعثة من الزاد والمتاع والدواب واستئجار المراكب وغيرها من التكاليف التي لا يُستهان بها، وأرسل معه أربعة آلاف دينار ذهبيَّة لملك الصقالبة. انطلق وفد ابن فضلان من مدينة السَّلام حاضرة الخلافة في يوم الخميس 11 صفر سنة 309هـ / 21 يونيو 921م،[276] إلى بلغار عاصمة الصَّقالبة، مارًا بولاية الجبال وما وراء النَّهر وبلاد التُّرك وبلاد الرُّوس حتى وصلها.[277]
وصل وفد ابن فضلان إلى الملك ألمش بن يلطوار في يوم الأحد 12 مُحرَّم سنة 310هـ / 12 مايو 922م، ففرح الملك بحضورهم وخرَّ ساجدًا شكرًا لله، ونثر عليهم الدراهم، ونصَّب لهم قبابًا لينزلها الوفد مُستريحًا من عناء الرحلة، وبعد ثلاثة أيام، جمع الملك حاشيته والقُوَّاد وأهل بلده ليسمعوا قراءة كتاب الخليفة، فألبسه الوفد السَّواد، وعمَّموه، وقرأ عليه الكتاب، ووصف ابن فضلان حين أتم قراءة الكتاب قائلًا: «فلما استتممنا قراءته كبَّروا تكبيرة ارتجت لها الأرض»، ثم قرأ عليه كتاب الوزير حامد بن العبَّاس، ليُخرج له الهدايا من الطَّيب والثياب واللُّؤلؤ، ويُبادله الملك بالكرم وغيَّر الملك اسمه إلى جعفر تيمنًا بالخليفة جعفر المُقتدر بالله.[278] وصف الرَّحالة ابن فضلان مسار الطريق وحياة الشعوب التي قابلها ورآها.[279]
الأفلام
[عدل]- المحارب الثالث عشر (1999): إنتاج أمريكي يُحاكي سيرة الرَّحَّالة أحمد بن فضلان في إطار تخيُّلي. جسَّد دور المُقتدر، المُمثل الأمريكي مينا إي مينا.
المسلسلات
[عدل]- القلم والمحنة (2000): إنتاج عراقي يُحاكي سيرة الوزير ابن مُقلَّة. جسَّد دور المُقتدر، المُمثل العراقي محمد هاشم.
- سيف اليقين (2002): إنتاج مصري يُحاكي سيرة المُعتضد وولديه المُكتفي والمُقتدر. جسَّد دور المُقتدر، المُمثل المصري أحمد صفوت.
- سقف العالم (2007): إنتاج سوري يُحاكي سيرة الرَّحَّالة أحمد بن فضلان. جسَّد دور المُقتدر، المُمثل السُّوري بسام داود.
- العاشق: صراع الجواري (2020): إنتاج إماراتي يُحاكي سيرة الحلَّاج ونفوذ السَّيدة شغب وقهرماناتها في إطار تخيُّلي. جسَّد دور المُقتدر، المُمثل السُّوري أنس طيَّارة.
انظر أيضًا
[عدل]مراجع
[عدل]فهرس المنشورات
[عدل]- ^ خليفة (1931)، ص. 178-179.
- ^ حسن (2013)، ص. 112-113.
- ^ ا ب الكازروني (1970)، ص. 172.
- ^ حسن (2013)، ص. 117.
- ^ ا ب القضاه (2000)، ص. 10.
- ^ ا ب ج ابن عبد ربه (1983)، ج. 5، ص. 384.
- ^ ا ب ج د ابن كثير (2004)، ص. 1706.
- ^ ا ب ج السيوطي (2003)، ص. 300.
- ^ ا ب ج د ه و ابن الأثير (2005)، ص. 1113.
- ^ ا ب ابن دحية (1946)، ص. 95.
- ^ ذياب (2003)، ص. 4.
- ^ ا ب ذياب (2003)، ص. 61.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 65-66.
- ^ القضاه (2000)، ص. 14-15.
- ^ رحمة الله (1971)، ص. 759-760.
- ^ ا ب ذياب (2003)، ص. 62.
- ^ الخضري (2003)، ص. 251-253.
- ^ الخضري (2003)، ص. 278.
- ^ ذياب (2003)، ص. 4-5.
- ^ الخضري (2003)، ص. 303-306.
- ^ ذياب (2003)، ص. 29.
- ^ الخضري (2003)، ص. 308.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1105-1106.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1107.
- ^ ذياب (2003)، ص. 32.
- ^ القضاه (2000)، ص. 17.
- ^ مسكويه (2003)، ج. 5، ص. 3-4.
- ^ ا ب ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 60.
- ^ ذياب (2003)، ص. 73.
- ^ ا ب العباسي (2000)، ص. 88.
- ^ ا ب ج المقريزي (1997)، ج. 1، ص. 123.
- ^ الخضري (2003)، ص. 307.
- ^ الذهبي (1996)، ج. 13، ص. 484.
- ^ المسعودي (1893)، ص. 376.
- ^ سعيد (1979)، ص. 107-110.
- ^ القضاه (2000)، ص. 21.
- ^ القضاه (2000)، ص. 20.
- ^ مسكويه (2003)، ج. 5، ص. 4.
- ^ ا ب سعيد (1979)، ص. 111.
- ^ ا ب ج ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 63.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 1114.
- ^ ا ب ج د ه ابن كثير (2004)، ص. 1678.
- ^ سعيد (1979)، ص. 112.
- ^ القضاه (2000)، ص. 22.
- ^ خليفة (1931)، ص. 189.
- ^ ا ب ج رحمة الله (1971)، ص. 763.
- ^ الخضري (2003)، ص. 31-32.
- ^ القضاه (2000)، ص. 24-25.
- ^ ا ب ج د ه و ابن الأثير (2005)، ص. 1115.
- ^ ا ب الخضري (2003)، ص. 317.
- ^ ذياب (2003)، ص. 98-99.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 1143.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1108.
- ^ ا ب ج د ه ابن الأثير (2005)، ص. 1142.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1044.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 1124.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 1125.
- ^ ذياب (2003)، ص. 190.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 1133.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1135-1136.
- ^ ا ب ابن كثير (2004)، ص. 1694.
- ^ ا ب إلهامي (2013)، ص. 187.
- ^ ا ب ج د ابن الأثير (2005)، ص. 1126.
- ^ ا ب ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 106.
- ^ ا ب ابن كثير (2004)، ص. 1680.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 167.
- ^ ابن كثير (2004)، ص. 1686.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 176.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 187-188.
- ^ ا ب ج د ه ابن كثير (2004)، ص. 1687.
- ^ ا ب ج د ابن الأثير (2005)، ص. 1138.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1162.
- ^ ا ب إلهامي (2013)، ص. 189.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 188.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 188-189.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 132-133.
- ^ ابن كثير (2004)، ص. 1682-1683.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 301.
- ^ ابن كثير (2004)، ص. 1683.
- ^ ا ب ذياب (2003)، ص. 174.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 194.
- ^ ا ب ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 199.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 1131.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 219-220.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1145.
- ^ ابن كثير (2004)، ص. 1696.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 239.
- ^ ا ب ج د ه و ابن الأثير (2005)، ص. 1146.
- ^ ا ب ج ابن كثير (2004)، ص. 1697.
- ^ ا ب ج خليفة (1931)، ص. 193.
- ^ ابن كثير (2004)، ص. 1698.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1148.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1151-1152.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1149.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1154.
- ^ ا ب ج الخضري (2003)، ص. 330.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 1151.
- ^ ا ب ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 281-282.
- ^ ا ب الذهبي (1996)، ج. 15، ص. 320-321.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 1161.
- ^ ا ب ج د ه الخضري (2003)، ص. 331.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 220.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 220-221.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 221-222.
- ^ الدشراوي (1994)، ص. 230-231.
- ^ دفتري (1999)، ص. 11-15.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 247-248.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 217-219.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1155-1156.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 240.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 201.
- ^ سرور (2014)، ص. 30-31.
- ^ سرور (2014)، ص. 31.
- ^ سرور (2014)، ص. 32.
- ^ سرور (2014)، ص. 34.
- ^ ا ب ج د ابن الأثير (2005)، ص. 1141.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 202.
- ^ ا ب ج ابن كثير (2004)، ص. 1684.
- ^ ا ب ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 205.
- ^ ا ب ابن دحية (1946)، ص. 103.
- ^ سرور (2014)، ص. 105-107.
- ^ سرور (2014)، ص. 111.
- ^ سرور (2014)، ص. 117.
- ^ سرور (2014)، ص. 116.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 206.
- ^ سرور (2014)، ص. 101.
- ^ ابن كثير (2004)، ص. 1692-1693.
- ^ سعيد (1979)، ص. 125.
- ^ ا ب ذياب (2003)، ص. 108.
- ^ سعيد (1979)، ص. 126.
- ^ سعيد (1979)، ص. 127.
- ^ ا ب ابن كثير (2004)، ص. 1689.
- ^ ذياب (2003)، ص. 110.
- ^ سعيد (1979)، ص. 131.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1156.
- ^ ا ب ج ابن الأثير (2005)، ص. 1159.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 1160.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1160-1161.
- ^ ا ب ج ابن الأثير (2005)، ص. 1163.
- ^ ذياب (2003)، ص. 96.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1167.
- ^ الخضري (2003)، ص. 333.
- ^ القضاه (2000)، ص. 36.
- ^ ا ب ج د ه و ز ح ابن الأثير (2005)، ص. 1169.
- ^ الخضري (2003)، ص. 333-334.
- ^ ا ب ج د ابن كثير (2004)، ص. 1705.
- ^ القضاه (2000)، ص. 38.
- ^ ا ب ج الخضري (2003)، ص. 334.
- ^ ا ب ابن دحية (1946)، ص. 111.
- ^ السيوطي (2003)، ص. 304.
- ^ ابن خلدون (2000)، ج. 3، ص. 486.
- ^ خليفة (1931)، ص. 195.
- ^ ا ب ج المسعودي (1893)، ص. 377.
- ^ السيوطي (2003)، ص. 305.
- ^ ابن العمراني (1999)، ص. 160.
- ^ الخضري (2003)، ص. 335.
- ^ ذياب (2003)، ص. 109.
- ^ الخضري (2003)، ص. 347-353.
- ^ ا ب إلهامي (2013)، ص. 174.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 209.
- ^ حسن (2013)، ص. 124-127.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 180-181.
- ^ ا ب رحمة الله (1971)، ص. 760.
- ^ رحمة الله (1986)، ص. 98.
- ^ ا ب ج ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 123.
- ^ رحمة الله (1971)، ص. 761-762.
- ^ ا ب رحمة الله (1971)، ص. 761.
- ^ رحمة الله (1971)، ص. 762.
- ^ رحمة الله (1971)، ص. 764-765.
- ^ ابن دحية (1946)، ص. 112.
- ^ ا ب ابن كثير (2004)، ص. 1677.
- ^ ا ب القضاه (2000)، ص. 34.
- ^ ا ب ذياب (2003)، ص. 88.
- ^ ا ب ج ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 62.
- ^ القضاه (2000)، ص. 33.
- ^ ا ب ج د ابن الأثير (2005)، ص. 1127.
- ^ ا ب ج ذياب (2003)، ص. 178.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 154.
- ^ ابن كثير (2004)، ص. 1685.
- ^ ا ب ذياب (2003)، ص. 89.
- ^ ذياب (2003)، ص. 175.
- ^ ا ب السيوطي (2003)، ص. 302.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 178.
- ^ القضاه (2000)، ص. 35.
- ^ ذياب (2003)، ص. 166.
- ^ ذياب (2003)، ص. 189.
- ^ ذياب (2003)، ص. 228.
- ^ ذياب (2003)، ص. 196.
- ^ ذياب (81)، ص. 81.
- ^ ا ب ابن الطقطقي (1899)، ص. 234.
- ^ ابن الطقطقي (1899)، ص. 239.
- ^ ا ب ذياب (2003)، ص. 168.
- ^ ابن كثير (2005)، ص. 1686.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1134.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 1134-1135.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1137.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1144-1145.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1147-1148.
- ^ ابن الطقطقي (1899)، ص. 241.
- ^ ذياب (2003)، ص. 93.
- ^ ا ب ذياب (2003)، ص. 91.
- ^ ابن الطقطقي (1899)، ص. 241-242.
- ^ ذياب (2003)، ص. 173-175.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 166.
- ^ ذياب (2003)، ص. 182-183.
- ^ الخضري (2003)، ص. 323.
- ^ ذياب (2003)، ص. 177-178.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1149-1150.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1155.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1165.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1166-1167.
- ^ ابن الطقطقي (1899)، ص. 249.
- ^ رستم (1956)، ص. 20.
- ^ طقوش (2009)، ص. 212.
- ^ ا ب ج طقوش (2009)، ص. 213.
- ^ رستم (1956)، ص. 25.
- ^ رستم (1956)، ص. 27.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 174.
- ^ الخضري (2003)، ص. 332.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 175.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 1118-1123.
- ^ ا ب ج الدشراوي (1994)، ص. 203.
- ^ ا ب ج ابن الأثير (2005)، ص. 1128.
- ^ الدشراوي (1994)، ص. 207.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1132.
- ^ الدليمي (2005)، ص. 30.
- ^ الدليمي (2005)، ص. 31.
- ^ الدليمي (2005)، ص. 37-39.
- ^ الدليمي (2005)، ص. 40-42.
- ^ الدليمي (2005)، ص. 49.
- ^ ا ب ذياب (2003)، ص. 134.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1130-1131.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1136.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1140-1142.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1156-1157.
- ^ ا ب ج ابن الأثير (2005)، ص. 1157.
- ^ ا ب ذياب (2003)، ص. 139.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1158.
- ^ ذياب (2003)، ص. 137-138.
- ^ ذياب (2003)، ص. 139-140.
- ^ ذياب (2003)، ص. 140.
- ^ الذهبي (1996)، ص. 479.
- ^ العباسي (2000)، ص. 87.
- ^ القضاه (2000)، ص. 31.
- ^ حسن (2013)، ص. 115-116.
- ^ حسن (2013)، ص. 116.
- ^ حسن (2013)، ص. 133.
- ^ حسن (2013)، ص. 134.
- ^ ا ب القضاه (2000)، ص. 30.
- ^ حسن (2013)، ص. 130-131.
- ^ حسن (2013)، ص. 131.
- ^ الذهبي (1996)، ج. 15، ص. 56.
- ^ الكازروني (1970)، ص. 173-174.
- ^ القضاه (2000)، ص. 28-29.
- ^ القضاه (2000)، ص. 29.
- ^ ا ب الكازروني (1970)، ص. 173.
- ^ ذياب (2003)، ص. 64.
- ^ القضاه (2000)، ص. 16.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 151.
- ^ ا ب القضاه (2000)، ص. 32.
- ^ ا ب ذياب (2003)، ص. 67.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 64.
- ^ القضاه (2000)، ص. 11.
- ^ ذياب (2003)، ص. 67-68.
- ^ ذياب (2003)، ص. 69-70.
- ^ القضاه (2000)، ص. 12.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 150.
- ^ القضاه (2000)، ص. 13.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 63-64.
- ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 13، ص. 64-68.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 169.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 186.
- ^ السيوطي (2003)، ص. 300-301.
- ^ طقوش (2009)، ص. 167-168.
- ^ ابن فضلان (1959)، ص. 67-69.
- ^ ابن فضلان (1959)، ص. 37.
- ^ ابن فضلان (1959)، ص. 73-113.
- ^ ابن فضلان (1959)، ص. 113-118.
- ^ شخاترة (2021)، ص. 20 و32 و37 و40 و55.
معلومات المنشورات كاملة
[عدل]- الكُتُب العربيَّة مرتبة حسب تاريخ النشر
- المسعودي (1893)، التنبيه والأشراف، لايدن: مطبعة بريل، OCLC:4770144063، QID:Q126077496
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - ابن الطقطقي (1899)، الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، القاهرة: شركة طبع الكتب العربية، OCLC:4769993811، QID:Q126075819
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - حسن خليفة (1931)، الدولة العباسية: قيامها وسقوطها (ط. 1)، القاهرة: المطبعة الحديثة، OCLC:4770488803، QID:Q106997581
- ابن دحية الكلبي (1946)، النبراس في تاريخ خلفاء بني العباس، مراجعة: عباس العزاوي، بغداد: وزارة المعارف العراقية، OCLC:61742988، QID:Q125662775
- أسد رستم (1956)، الروم في سياستهم وحضارتهم ودينهم وثقافتهم وصلاتهم بالعرب (ط. 1)، بيروت: دار المكشوف، ج. 2، QID:Q112624007
- أحمد بن فضلان (1959)، رسالة ابن فضلان: في وصف الرحلة إلى بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة، تحقيق: سامي الدهان، دمشق: مجمع اللغة العربية بدمشق، OCLC:18370465، QID:Q113117628
- ظهير الدين الكازروني (1970)، مختصر التاريخ من أول الزمان إلى منتهى دولة بني العباس، تحقيق: مصطفى جواد، سالم الآلوسي، بغداد: المؤسسة العامة للطباعة، OCLC:4771288367، QID:Q125826463
- ابن عبد ربه (1983)، العقد الفريد، بيروت: دار الكتب العلمية، OCLC:949403349، QID:Q120648618
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - فرحات الدشراوي (1994)، الخلافة الفاطمية بالمغرب (296-365 هـ / 909-975 م) التاريخ السياسي والمؤسسات، ترجمة: حمادي الساحلي (ط. 1)، بيروت: دار الغرب الإسلامي، OCLC:4771454855، QID:Q125985196
- أبو الفرج بن الجوزي (1995)، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، نعيم زرزور (ط. 2)، بيروت، OCLC:1222468306، QID:Q125912514
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: مكان بدون ناشر (link) - شمس الدين الذهبي (1996)، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرنؤوط (ط. 11)، بيروت: مؤسسة الرسالة، OCLC:49724069، QID:Q124255462
- تقي الدين المقريزي (1997)، السُلُوك لمعرفة دول المُلُوك، تحقيق: محمد عبد القادر عطا (ط. 1)، بيروت: دار الكتب العلمية، OCLC:4770686226، QID:Q121080223
- فرهاد دفتري (1999)، الاسماعيليون في العصر الوسيط: تاريخهم وفكرهم، ترجمة: سيف الدين القصير (ط. 1)، دمشق: دار المدى للثقافة والنشر، OCLC:1107067012، QID:Q126596768
- ابن العمراني (1999)، الإنباء في تاريخ الخلفاء، تحقيق: قاسم السامرائي (ط. 1)، القاهرة: دار الآفاق العربية، OCLC:41180859، QID:Q56367172
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - ابن خلدون (2001)، تاريخ ابن خلدون، تحقيق: خليل شحادة، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، OCLC:4771121968، QID:Q113632106
- حسني أحمد علي العباسي (2000). الأساس في أنساب بني العباس. تحقيق: أحمد عمر هاشم، حسين يوسف دويدار، محمد عبد الحميد راغب (ط. 1). القاهرة: دار ركابي للنشر. ISBN:978-977-6007-01-7. OCLC:45698005. OL:20771168M. QID:Q123463845.
- مسكويه (2003)، تجارب الأمم وتعاقب الهمم، تحقيق: سيد كسروي حسن (ط. 1)، بيروت: دار الكتب العلمية، OCLC:4771294600، QID:Q125857803
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - جلال الدين السيوطي (2003)، تاريخ الخلفاء (ط. 1)، بيروت: دار ابن حزم، QID:Q123424538
- محمد الخضري بك (2003). الدولة العباسية. مراجعة: نجوى عباس. القاهرة: مؤسسة المختار للنشر. ISBN:978-977-5283-97-9. OCLC:54844608. OL:31601253M. QID:Q123224571.
- ابن كثير الدمشقي (2004)، البداية والنهاية، تحقيق: أبو صهيب الكرمي (ط. 1)، لبنان: بيت الأفكار الدولية، OCLC:1014077365، QID:Q123368203
- ابن الأثير الجزري (2005)، الكامل في التاريخ، مراجعة: أبو صهيب الكرمي، عَمَّان: بيت الأفكار الدولية، OCLC:122745941، QID:Q123225171
- محمد سهيل طقوش (2009). تاريخ الدولة العبَّاسيَّة (ط. 7). بيروت: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع. ISBN:978-9953-18-045-8. OCLC:915153412. QID:Q107182076.
- سولاف فيض الله حسن (2013). دور الجواري والقهرمانات في دار الخلافة العباسية (ط. 1). دمشق: صفحات للدراسات والنشر والتوزيع. ISBN:978-9933-495-13-8. OCLC:6914266520. OL:43175027M. QID:Q125689500.
- محمد إلهامي (2013)، العباسيون الضعفاء: الخلافة العباسية تحت السيطرة العسكرية والبويهية، رحلة الخلافة العباسية (2) (ط. 1)، القاهرة: مؤسسة اقرأ، OCLC:908114751، QID:Q126202694
- طه عبد الباقي سرور (2014). الحسين بن منصور الحلاج. القاهرة: مؤسسة هنداوي. ISBN:978-977-768-154-4. QID:Q125914895.
- خولة شخاترة (2021). رحلة ابن فضلان والتواصل الحضاري والثقافي. عَمَّان: الآن ناشرون وموزعون. ISBN:978-9923-13-287-6. OCLC:1246220378. QID:Q120970051.
- المقالات المحكمة
- مليحة رحمة الله (1971). "دور المرأة السياسي في العصر العباسي الثاني (مجلة كلية الآداب، 1971)". مجلة الآداب. بغداد. ج. 2 ع. 14: 757–771. ISSN:1994-473X. QID:Q125913547.
- حامد غنيم سعيد (1979). "الدولة العباسية ومراكز القوى في عهد المقتدر بالله 295 - 320 هـ". مجلة كلية العلوم الإجتماعية. الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ج. 3: 101–135. OCLC:4770229951. QID:Q125360509.
- مليحة رحمة الله (1986). "من خصائص سيرة السيدة شغب". مجلة المؤرخ العربي. بغداد ع. 28: 98–105. QID:Q125912473.
- أطاريح
- فراس حامد إبراهيم القضاه (2000)، الدولة العباسية في عهد الخليفة المقتدر بالله 295 هـ - 320 هـ، إشراف: عبد الباقي محمد أحمد كبير، أم درمان: جامعة أم درمان الإسلامية، ص. 1–252، OCLC:9497714926، QID:Q126077188
- منى ذياب (2003)، خلافة المقتدر بالله (295 هـ - 320 هـ) دراسة في النواحي السياسية والإدارية، إشراف: عبد العزيز الدوري، عَمَّان: الجامعة الأردنية، ص. 1–263، OCLC:9497771101، QID:Q125814302
- إنتصار الدليمي (2005)، التحديات الداخلية والخارجية التي واجهت الأندلس خلال الفترة (300-366هـ/912-976م)، إشراف: ناطق صالح مطلوب، الموصل: جامعة الموصل، OCLC:9497711149، QID:Q125952713
جعفر المُقتدر بالله ولد: 22 رمضان 282هـ / 13 نوفمبر 895م توفي: 28 شوَّال 320هـ / 1 نوفمبر 932م
| ||
ألقاب سُنيَّة | ||
---|---|---|
سبقه علي المُكتفي بالله |
أميرُ المُؤمنين
13 ذو القعدة 295 – 20 شوَّال 320هـ |
تبعه محمَّد القاهر بالله |
- حكام أطفال في العصور الوسطى
- حكام في آسيا في القرن 10
- حكام في إفريقيا في القرن 10
- خلفاء عباسيون في القرن 10
- خلفاء عباسيون في القرن 3 هـ
- خلفاء عباسيون في القرن 4 هـ
- عباسيون
- عراقيون من أصل يوناني
- عرب
- عرب في القرن 10
- مسلمون عرب
- ملكيون في إفريقيا القرن 10
- ملكيون قتلوا في القرن 10
- ملوك القرن 10 في آسيا
- مواليد 282 هـ
- مواليد 895
- هاشميون
- وفيات 320 هـ
- وفيات 932