Mohamed's Reviews > صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي
صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي
by
الثورة -كما يتم تعريفها في قاموس شامبر الموسوعي للغة الإنجليزية- هي "تغيير شامل وجذري بعيد المدى في طرق التفكير وفعل الأشياء." نعم هي كذلك، فقد ثار الناس في العالم العربي ضد الأنظمة الفاسدة والراكدة لأنهم ينشدون التغيير الشامل الجذري بعيد المدى الذي وُصف في هذا التعريف. ثاروا لأنهم شعروا بالخيانة والغدر من قبل الأنظمة السياسية التي تتراوح من ممالك وهمية إلى جمهوريات استبدادية مزورة أو ما يعرف بـ "الجمهوريات الملكية" repubchies أو Jumilikiyate"، وهو مصطلح ابتدعه الناشط المصري الليبرالي سعد الدين ابراهيم لتصوير الاختراع العبقري للحكام العرب في أنظمة الحكم الذي يقوم على المزج بين النظامين الملكي والجمهوري. هكذا ثارت شعوب العالم العربي لأنهم وجدوا أنفسهم قد تركوا خارج مضمار سباق التاريخ الإنساني. ثاروا ليخبروا الآخرين أنه لا يوجد استثناء في تطلعات الإنسان للحرية والكرامة الإنسانية.
حجتي في هذا الصدد أن تفكير إدوارد سعيد عن الشرق الأوسط، الشرق القديم، يبد حقيقيا وتنبؤيا لدرجة كبيرة. حجة سعيد هي أن البشرية جمعاء تتشارك في نفس الطموح والأمل في الحرية. لقد ثبتت صحة الحرية والكرامة الإنسانية بواسطة تلك الثورات التي اخترقت الإمبراطورية الاستعمارية من موريتانيا غربا وحتى سلطنة عُمان شرقا. لقد كان اتساع وانتشار تلك الثورات هو الأمل الذي طال انتظاره بقرب حلول لحظة تاريخية بشر بها إدوارد سعيد.
لعل تلك الثورات هي أحسن إهداء لإدوارد سعيد بعد مرور سبع سنوات على رحيله. إن هي إلا لحظة تاريخية دقيقة نتذكر فيها دفاع إدوارد سعيد الحماسي عن تلك المنطقة وسكانها. بدون أدنى شك، فإن هذه الأحداث العظيمة هي الأكثر عفوية وردود بليغة على وصم العرب بالشيطنة، والتشهير، والتشويه، والتحريف الذي مورس على مر التاريخ وفي وقتنا المعاصر ضد العرب والمسلمين عن طريق خطابات المستشرقين القدامى والحاليين. ما علينا إلا أن نقر بأن تلك اللحظة في التاريخ العربي سوف تجبر آخر من تبقى من المستشرقين على قيد الحياة على الاختفاء لأن السحر والجمودية في التاريخ الشرقي لم تعد صالحة لكي يتخذوا منها مادة للبحث.
الاستشراق كظاهرة معرفية هو عمل غربي خالص خلق صورة غير صحيحة، اختزالية، ومشوهة عن الشرق وشعبه وترك جذورا متراكمة ثقافيا، وأكاديميا اعتمدت عليها معظم المؤسسات التي غزت العقل الغربي عن الشرق والشرقيين. ونواجه في الخطاب الاستشراقي دوما صورة عميقة الجذور تقول إن ثمة "فرقا وجوديا قائما بين الطبيعة الجوهرية للشرق والغرب، مع تفوق الغرب بشكل حاسم على نظيره الشرقي. ومن المفترض في هذا الخطاب الاستشراقي أن المجتمعات الغربية -وما يرتبط بها من ثقافات ولغات وعقليات- هي في الأساس متفوقة بطبيعتها عن تلك الشرقية على نحو ما يذهب إدوارد سعيد بقوله إن "جوهر الاستشراق هو التمييز المتأصل بين التفوق الغربي والدوني�� الشرقية...". كما يذهب روديارد كبلنغ في قوله المأثور "الشرق شرق، والغرب غرب، ولا يلتقيان". وفي مثل هذه الاتجاهات الدوغماتية يبقى الشرق فقيرا مجمدا وخصما أبديا للغرب، كما أن له وظائف متضاعفة في انتشارها عند قضايا الثقافة والهوية والسياسة.
وبسبب تلك الاختلافات الأساسية والجوهرية بين الكتلتين، ينبغي أن يكون هناك أيضا اختلافات معرفية ترى أن هذا النوع من الأدوات المفاهيمية، والفئات العلمية، والمفاهيم الاجتماعية، ووصف الفروق الأيديولوجية والسياسية وتوظيفها من أجل فهم المجتمعات الغربية والتعامل معها لا تزال قائمة، من حيث المبدأ، وغير ذات صلة، وغير قابلة للمقارنة مع تلك الشرقية". ولعل هذا التصنيف الوحيد والمحتقن هو المرجعية الأكثر خصوبة للتحزبات والنقاشات الجدالية كتلك التي ذكرتها في وقت سابق، والتي قدمها برنارد لويس، صمويل هنتنغتون، دانيال بايبس، وريتشارد بيرل.... الخ.
على نفس المنوال نجد اثنين من الأصوات الاستشراقية الحديثة التي أكدت على التصريحات المماثلة عن الاستبعاد والتمييز العنصري بين الهويتين، الغربية واللاغربية، أو الغرب في مقابل باقي العالم. وفي أحد الجدالات الاستشراقية الشهيرة نجد برنارد لويس يعلمنا أنه "في تفسير الظاهرة السياسية الإسلامية ليس دقيقا اللجوء إلى تلك اللغة التي تفرق بين ما هو يميني ويساري، تقدمي ومحافظ، وغيرها من المصطلحات الغربية... فالأمر هنا أشبه بتحليل مباراة كريكيت بواسطة مراسل بيسبول". وفي تشبيه سخيف مشابه يمضي بنا مستشرق آخر من أمثال هـ. أ. ر. غب فيقول إن تطبيق "سيكولوجية وآليات المؤسسات السياسية الغربية لحالات آسيوية أو عربية لهو أقرب إلى أفلام كرتونية للأطفال كتلك التي تنتجها والت ديزني".
الموقف الثوري العربي واسع النطاق يمثل حالة من التساؤل والتشكك تجاه السلطة العتيقة التي تميز عالم ما بعد الحرب في كل من الشرق والغرب. فمن الناحية السياسية، يبدو هذا الموقف خارج نطاق التيار السائد، وأن الأغلبية الصامتة التي جلبت هذا التغيير لا يمكن التنبؤ بأفعالها. ومن هذه الآليات الداخلية التي حققت نجاحا لم يحققه جورج بوش ومستشاروه من صقور المستشرقين المتسلحين بطائرات بي 52، و إف 16، وإف 15.
لكن هذه المهمة الحضارية المعاكسة لا تزال تحت التهديد إن لم تلق العناية الكافية من الرصد ويتم تطعيمها بالتفكير الحكيم والثاقب من قبل العقول الخلاقة كتلك التي كان يمتلكها مفكرون من أمثال إدوارد سعيد. وفي تلك اللحظة الفارقة في تاريخ العالم العربي، كان لدى سعيد الكثير الذي كان بوسعه أن يعلمنا إياه عن الملابسات التي سنجابهها في خضم الأحداث الجارية والمقبلة. ولعل أولى نقاط الدرس الذي كان سعيد سيقوله لنا هو أن نكسب التحدي وننجح في تلبية التزاماتنا بتحقيق تغيير حقيقي
ولكن ما الذي حدث ؟
نجحت التهديدات الحضارية المعاكسة فى قلب الطاولة علي حلم الثورات العربية , ولأن الجميع انشغل بما يراه أمامه دون محاولة رصد مسار الأفكار التي تنتشر , لم يكن لدينا من يهدي لنا الطريق من عقول خلاقة مثل إدوارد سعيد يقدم لنا الدراسات المعرفية الللازمة لنا فى تلك المرحلة
ما زالت الهجمة الحضارية لم تنتصر تماماٌ وربما كانت أفكار هنتجتون الأقرب الي التحقق ولكن الصراع بين الجماعات الجهادية الصاعدة بشكل عالمي والحضارة الغربية ليس الصراع المباشر الذي نشهده هذه الأيام
هناك الرأسمالية وهيمنتها علي العالم تصارع من اجل سد ثغراتها وعوراتها التي ظهرت
ولذا فان المعركة الحضارية الاساسية هي الحرب ضد الاستهلاكية وفكرة الهيمنة التي تتيحها المقومات الاخلاقية للرأسمالية التي تتخفي تحت لباس العولمة
وما زال السياق مفتوح وربما بعد عدة سنوات قد أعيد كتابة مراجعة أخري للكتاب لا أوضح فيها ان ادوارد سعيد قام بالرد علي فكرة صراع الحضارات التي طرحت هنا بل وقتها ربما سأنتصر تماماٌ لإدوارد سعيد .
by
الثورة -كما يتم تعريفها في قاموس شامبر الموسوعي للغة الإنجليزية- هي "تغيير شامل وجذري بعيد المدى في طرق التفكير وفعل الأشياء." نعم هي كذلك، فقد ثار الناس في العالم العربي ضد الأنظمة الفاسدة والراكدة لأنهم ينشدون التغيير الشامل الجذري بعيد المدى الذي وُصف في هذا التعريف. ثاروا لأنهم شعروا بالخيانة والغدر من قبل الأنظمة السياسية التي تتراوح من ممالك وهمية إلى جمهوريات استبدادية مزورة أو ما يعرف بـ "الجمهوريات الملكية" repubchies أو Jumilikiyate"، وهو مصطلح ابتدعه الناشط المصري الليبرالي سعد الدين ابراهيم لتصوير الاختراع العبقري للحكام العرب في أنظمة الحكم الذي يقوم على المزج بين النظامين الملكي والجمهوري. هكذا ثارت شعوب العالم العربي لأنهم وجدوا أنفسهم قد تركوا خارج مضمار سباق التاريخ الإنساني. ثاروا ليخبروا الآخرين أنه لا يوجد استثناء في تطلعات الإنسان للحرية والكرامة الإنسانية.
حجتي في هذا الصدد أن تفكير إدوارد سعيد عن الشرق الأوسط، الشرق القديم، يبد حقيقيا وتنبؤيا لدرجة كبيرة. حجة سعيد هي أن البشرية جمعاء تتشارك في نفس الطموح والأمل في الحرية. لقد ثبتت صحة الحرية والكرامة الإنسانية بواسطة تلك الثورات التي اخترقت الإمبراطورية الاستعمارية من موريتانيا غربا وحتى سلطنة عُمان شرقا. لقد كان اتساع وانتشار تلك الثورات هو الأمل الذي طال انتظاره بقرب حلول لحظة تاريخية بشر بها إدوارد سعيد.
لعل تلك الثورات هي أحسن إهداء لإدوارد سعيد بعد مرور سبع سنوات على رحيله. إن هي إلا لحظة تاريخية دقيقة نتذكر فيها دفاع إدوارد سعيد الحماسي عن تلك المنطقة وسكانها. بدون أدنى شك، فإن هذه الأحداث العظيمة هي الأكثر عفوية وردود بليغة على وصم العرب بالشيطنة، والتشهير، والتشويه، والتحريف الذي مورس على مر التاريخ وفي وقتنا المعاصر ضد العرب والمسلمين عن طريق خطابات المستشرقين القدامى والحاليين. ما علينا إلا أن نقر بأن تلك اللحظة في التاريخ العربي سوف تجبر آخر من تبقى من المستشرقين على قيد الحياة على الاختفاء لأن السحر والجمودية في التاريخ الشرقي لم تعد صالحة لكي يتخذوا منها مادة للبحث.
الاستشراق كظاهرة معرفية هو عمل غربي خالص خلق صورة غير صحيحة، اختزالية، ومشوهة عن الشرق وشعبه وترك جذورا متراكمة ثقافيا، وأكاديميا اعتمدت عليها معظم المؤسسات التي غزت العقل الغربي عن الشرق والشرقيين. ونواجه في الخطاب الاستشراقي دوما صورة عميقة الجذور تقول إن ثمة "فرقا وجوديا قائما بين الطبيعة الجوهرية للشرق والغرب، مع تفوق الغرب بشكل حاسم على نظيره الشرقي. ومن المفترض في هذا الخطاب الاستشراقي أن المجتمعات الغربية -وما يرتبط بها من ثقافات ولغات وعقليات- هي في الأساس متفوقة بطبيعتها عن تلك الشرقية على نحو ما يذهب إدوارد سعيد بقوله إن "جوهر الاستشراق هو التمييز المتأصل بين التفوق الغربي والدوني�� الشرقية...". كما يذهب روديارد كبلنغ في قوله المأثور "الشرق شرق، والغرب غرب، ولا يلتقيان". وفي مثل هذه الاتجاهات الدوغماتية يبقى الشرق فقيرا مجمدا وخصما أبديا للغرب، كما أن له وظائف متضاعفة في انتشارها عند قضايا الثقافة والهوية والسياسة.
وبسبب تلك الاختلافات الأساسية والجوهرية بين الكتلتين، ينبغي أن يكون هناك أيضا اختلافات معرفية ترى أن هذا النوع من الأدوات المفاهيمية، والفئات العلمية، والمفاهيم الاجتماعية، ووصف الفروق الأيديولوجية والسياسية وتوظيفها من أجل فهم المجتمعات الغربية والتعامل معها لا تزال قائمة، من حيث المبدأ، وغير ذات صلة، وغير قابلة للمقارنة مع تلك الشرقية". ولعل هذا التصنيف الوحيد والمحتقن هو المرجعية الأكثر خصوبة للتحزبات والنقاشات الجدالية كتلك التي ذكرتها في وقت سابق، والتي قدمها برنارد لويس، صمويل هنتنغتون، دانيال بايبس، وريتشارد بيرل.... الخ.
على نفس المنوال نجد اثنين من الأصوات الاستشراقية الحديثة التي أكدت على التصريحات المماثلة عن الاستبعاد والتمييز العنصري بين الهويتين، الغربية واللاغربية، أو الغرب في مقابل باقي العالم. وفي أحد الجدالات الاستشراقية الشهيرة نجد برنارد لويس يعلمنا أنه "في تفسير الظاهرة السياسية الإسلامية ليس دقيقا اللجوء إلى تلك اللغة التي تفرق بين ما هو يميني ويساري، تقدمي ومحافظ، وغيرها من المصطلحات الغربية... فالأمر هنا أشبه بتحليل مباراة كريكيت بواسطة مراسل بيسبول". وفي تشبيه سخيف مشابه يمضي بنا مستشرق آخر من أمثال هـ. أ. ر. غب فيقول إن تطبيق "سيكولوجية وآليات المؤسسات السياسية الغربية لحالات آسيوية أو عربية لهو أقرب إلى أفلام كرتونية للأطفال كتلك التي تنتجها والت ديزني".
الموقف الثوري العربي واسع النطاق يمثل حالة من التساؤل والتشكك تجاه السلطة العتيقة التي تميز عالم ما بعد الحرب في كل من الشرق والغرب. فمن الناحية السياسية، يبدو هذا الموقف خارج نطاق التيار السائد، وأن الأغلبية الصامتة التي جلبت هذا التغيير لا يمكن التنبؤ بأفعالها. ومن هذه الآليات الداخلية التي حققت نجاحا لم يحققه جورج بوش ومستشاروه من صقور المستشرقين المتسلحين بطائرات بي 52، و إف 16، وإف 15.
لكن هذه المهمة الحضارية المعاكسة لا تزال تحت التهديد إن لم تلق العناية الكافية من الرصد ويتم تطعيمها بالتفكير الحكيم والثاقب من قبل العقول الخلاقة كتلك التي كان يمتلكها مفكرون من أمثال إدوارد سعيد. وفي تلك اللحظة الفارقة في تاريخ العالم العربي، كان لدى سعيد الكثير الذي كان بوسعه أن يعلمنا إياه عن الملابسات التي سنجابهها في خضم الأحداث الجارية والمقبلة. ولعل أولى نقاط الدرس الذي كان سعيد سيقوله لنا هو أن نكسب التحدي وننجح في تلبية التزاماتنا بتحقيق تغيير حقيقي
ولكن ما الذي حدث ؟
نجحت التهديدات الحضارية المعاكسة فى قلب الطاولة علي حلم الثورات العربية , ولأن الجميع انشغل بما يراه أمامه دون محاولة رصد مسار الأفكار التي تنتشر , لم يكن لدينا من يهدي لنا الطريق من عقول خلاقة مثل إدوارد سعيد يقدم لنا الدراسات المعرفية الللازمة لنا فى تلك المرحلة
ما زالت الهجمة الحضارية لم تنتصر تماماٌ وربما كانت أفكار هنتجتون الأقرب الي التحقق ولكن الصراع بين الجماعات الجهادية الصاعدة بشكل عالمي والحضارة الغربية ليس الصراع المباشر الذي نشهده هذه الأيام
هناك الرأسمالية وهيمنتها علي العالم تصارع من اجل سد ثغراتها وعوراتها التي ظهرت
ولذا فان المعركة الحضارية الاساسية هي الحرب ضد الاستهلاكية وفكرة الهيمنة التي تتيحها المقومات الاخلاقية للرأسمالية التي تتخفي تحت لباس العولمة
وما زال السياق مفتوح وربما بعد عدة سنوات قد أعيد كتابة مراجعة أخري للكتاب لا أوضح فيها ان ادوارد سعيد قام بالرد علي فكرة صراع الحضارات التي طرحت هنا بل وقتها ربما سأنتصر تماماٌ لإدوارد سعيد .
Sign into Goodreads to see if any of your friends have read
صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي.
Sign In »
Reading Progress
February 15, 2015
–
Started Reading
January 6, 2016
– Shelved
January 6, 2016
–
Finished Reading