What do you think?
Rate this book
251 pages, Hardcover
First published January 1, 2013
حتى الشرطة اختفوا من الشوارع و المفارق ثم عادوا بأزياء أخرى. بعضهم ملثم و بعضهم مسلح و بعضهم ملتح و الباقي يبدو و كأنه في ورطة وجودية. و لا أحد يعرف لمن يأمن و ممن يخاف.
عثر على دفتر بني سميك يلفت النظر في درج والدته و على غلافه كلمة بالعربية لم يفهمها و حين سألها قالت أنه ديوانها الجاهز للطبع.
-ما عنوانه؟
-طشارى
-يعني؟
-بالعربي الفصيح: تفرقوا أيدي سبأ.
-يعني؟!
-تطشروا مثل طلقة البندقية التي تتوزع في كل الإتجاهات.
لعل أباه كان على حق و يجب ألا ينشغل عن دراسته بالعمل دفانا يحفر في تربة الغيب. يلملم العظام من تربة الخليج و الشام و ديترويت و نيوزيلندا و ضواحي لندن و ينفخ فيها من موهبته لتستريح في أرض محايده. يجمع شمل الرجال و النساء الذين وضعوا الرءوس على مخدة واحدة لعقود من الزمن ثم تفرقوا و هم أموات في الترب الغريبة. طواهم طير اليبابيد الذي حلق فوق العراق و رماهم في بلاد الله الواسعة.
نعم هي سعيدة لأنها تأكل و تشرب و تعمل و تقرأ على ضوء الكهرباء و تغتسل بماء وفير و تربي أولادها في أمان و بدون هلع. و مسرورة لأنها تعيش حرة في بلد يسري فيه القانون على الجميع. مسرورة و ممنونة لأنها تمارس اختصاصها بينما لا يملك أطباء كثر من زملائها هذا الترف. لم يفلحوا في معادلة شهاداتهم. ممنونة و في قمة الإغتباط لأنها مرتاحة في عملها البعيد عن بيتها راحة قد لا تتوفر لكثيرين ممن يعملون في المبنى المجاور لمنازلهم. لكن لا. هي غير سعيدة و لن تكون في أي يوم. سعيدة تماما. ثمة مرارة ما تحت اللسان. هناك غبن سيبقى كامنا في موضع ما. من تاريخها الحميم. لأن يدا سلختها عن حياة سابقة و زلزلت ركائزها. هل تعرف جنابك حجر الأساس الذي يحتفلون به عند البدء بتشييد المباني المهمة؟ لقد اهتز حجر أساسها في اليوم الذي حملت فيه جنسية ثانية.
لا شيء يجري في ذلك البلد بالمفرد إلا الولادة. يولد العراقيون فرادى و يموتون جماعات. حتى الزعيم الأوحد وجد من يخلفه و يتناسل مع أسطورته فظهر زعماء متعددون و أوحدون كثر.
" هم فائضون في هذه الدنيا. مسجّلون في خانة الزوال. لا أحد يـهتـمّ لـمصائرهم ولا يقلقه أنـهم يخبطون في الظلام."
" ترفع الثورات شهداءها وتـخسف بخونتـها ولا تبقي ولا تذرّ. ثم تدور العجلة وتنقلب الـمرحلة فيصير الخائن شهيدًا ويذهب الشهيد إلـى طاحونة الصور."
" إنّ خروجنا من بين قَوْسي الوطن قد وضعنا في خانتين متعاكستين من العقوق. لـم أكن بارّة بـه لأنني أفلتّ من فكّيـه الـمفترسين، باكرًا، ومضيت بدون رجعة. وكان الوطن عاقًّا بـها، نبذها وهي في آخر العمر ولـم يشملها بخيمة حمايتـه. "